كتاب أخبار المدينة

الكبيرة ولا يجوز تكررها على الإطلاق. لذلك لم يكن من العسير على الأمراء تحقيق الأمن وضبط الأمور في المدينة، ولم يكن هناك خطر يتهددهم أو ينذر بالفتنة على نحو ما كان في بعض الأمصار. ويصح أن نقول إن المدينة قد تحولت إلى دار سلام يجنح أهلها إلى الموادعة وتجنب إراقة الدماء ولو كانوا غير راضين عن أمرائهم، وأنهم قد اشتغلوا بالجوانب الثقافية والاقتصادية والعمرانية وزهدوا في الخلافة والسياسية.
الجانب الاقتصادي:
مما لاشك فيه أن الاستقرار السياسي في أي بلد هو طريق إلى الرخاء الاقتصادي غالباً، بينما يؤدي الاضطراب السياسي إلى اختناقات اقتصادية متوالية.
وعندما ننظر في الحالة الاقتصادية للمدينة المنورة في العهد الأموي والعباسي يجب أن نتنبه إلى أثر العامل السياسي فيها. ذلك أن انتقال مركز الدولة بعيدا عنها قد أثر على نشاطها الاقتصادي وعلى الموارد المالية التي كانت تصب فيها.
وقد رأينا أن الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المدينة في العهد الراشدي كان له عاملان: عامل خارجي، وهو الموارد المالية من الغنائم والفيء والعطاءات وعامل محلي يتمثل في التجارة والزراعة والحرف المحلية المختلفة.
وطبيعي أن يتأثر هذان العاملان بالتحول السياسي الذي حل بالمدينة، أما الموارد الخارجية فقد اتجهت إلى العاصمة الجديدة دمشق، وأما الموارد المحلية فنجد أهمها الزراعة التي نشطت نشاطًا واسعًا، فازدهرت المزارع واتسعت وجاءت بغلال وافرة.
فالمدينة بطبيعتها الزراعية وتوافر المياه في أراضيها شجعت أصحاب الثروات الكبيرة والمتوسطة على إقامة مزارع تغل لهم محصولاً جيدًا (1). وكان بعض أهل المدينة
__________
(1) حول موضوع الزراعة بالمدينة انظر:
السمهودي: مصدر سابق، 1/ 332 - 328.
محمد كبريت بن عبد الله الحسيني: الجواهر الثمينة في محاسن المدينة، تحقيق عائض الردادي، مطبعة سفير، الرياض، ط1، 1419ه‍، 1998م، 2/ 467 - 490.

الصفحة 29