كتاب أخبار المدينة

وفي رواية لابن زبالة أنه في البدء لم يسطح المسجد فشكوا الحر فجعلوا خشبه وسواريه جذوعاً شقة شقة وضرب لبنه من بقيع الخبجبة، وهو عن يسار بقيع الغرقد عند بئر أبي أيوب بالمناصع. والخبجبة: شجرة تنبت هناك (1).
وذكر ابن زبالة ويحيى من غير طريقه عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بناء مسجده بالسميط لبنة لبنة، ثم إن المسلمين كثروا فبناه بالسعيدة، فقالوا: يا رسول الله لو أمرت من يزيد فيه، فقال: نعم، فأمر به فزيد فيه، وبني جداره بالأنثى والذكر (2)، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل، قال: نعم، فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل، ثم طرحت عليها العوارض والخصف والإذخر، فعاشوا فيه، وأصابتهم الأمطار، فجعل المسجد يكف (3) عليهم، فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فُطيِّن، فقال: لا عريش كعريش موسى، فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان جداره قبل أن يظلل قامة، فكان إذا فاء الفيء ذراعاً وهو قدمان يصلى الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صُلِّى العصر (4)
__________
(1) المراغي: مصدر سابق، ص 44.
(2) السميط: وضع لبنة على لبنة. والسعيدة: لبنة ونصف أخرى. والذكر والأنثى: لبنتان مختلفتان. (ابن منظور: لسان العرب، 6/ 264).
(3) يكف عليهم: نزل المطر وتقاطر من سقفه. (السمهودي: المصدر السابق، 1/ 335).
(4) السمهودي: المصدر السابق، 1/ 335 - 336، ويتبين أن عمارة المسجد الشريف مرت بثلاث مراحل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستخدم في كل منها نوع خاص من البناء كان يعبر عنه تارة بلبنة وتارة بلبنة ونصف وتارة بلبنتين مختلفتين، وهما كالتالي:
الأولى: المرحلة التي كان فيها طول المسجد من المشرق إلى المغرب 63 ذراعاً وعرضه من الشمال إلى الجنوب 54 ذراعاً وثلثا ذراع وارتفاعه قامة ونوع البناء لبنة فوق لبنة وكانت أرض المسجد كلها مكشوفة.
الثانية: المرحلة التي كان طول المسجد فيها 70 ذراعاً وعرضه أكثر من ستين ذراعاً وارتفاعه قامة وشيء نوع البناء لبنة ونصف وأرضه مكشوفة. ... ... ... ... =

الصفحة 77