كتاب الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

يفر إليه هو الذي قضى وقدر وشاء ما يفرُّ منه؛ فإنه لا يبقى في القلب التفات إلى غيره بوجه (¬1).
فتفطَّنْ لهذا (¬2) السر العجيب في قوله: "أعوذ بك [منك] (¬3) "، و"لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك"؛ فإن الناس قد ذكروا في هذا (¬4) أقوالا، وقلَّ منهم من تَعرض (¬5) لهذه النكتة التي هي لُبُّ الكلامِ ومقصوده، وبالله التوفيق.
فتأمّلْ كيف عاد الأمن كلُّه إلى الفرار من الله إليه؛ وهو معنى الهجرة إلى الله [تعالى]. ولهدا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المهاجر من هَجَرَ ما نهى الله عنه" (¬6).
ولهذا يَقْرِنُ سبحانَه بين الإيمان والهجرة في القرآن (¬7) في غير موضع؛ لتلازمهما واقتضاءِ أحدِهما للآخر.
والمقصود أن الهجرة إلى الله تتضمنُ هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، وأصلها الحبُّ والبُغض؛ فإن المهاجر من شيء
¬__________
(¬1) "بوجه" ساقطة من ط.
(¬2) ط، ق: "في هذا".
(¬3) زيادة من ط، ق.
(¬4) ق: "ذلك".
(¬5) ط: "من تعرض منهم".
(¬6) أخرجه البخاري (10، 6484) من حديث عبد الله بن عمرو.
(¬7) "في القرآن" ساقط من ط.

الصفحة 19