كتاب الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

فَغَوَّرت مناهلها وعيونها، فسالُكها غريب بين العباد، فريد بين كل حيٍّ وناد، بعيد على قرب المكان، وحيد على كثرة الجيران، مستوحش مما [به] يستأنسون، مستأنس مما به يستوحشون، مقيم إذا ظَعَنُوا، ظاعن إذا قَطَنوا (¬1)، منفرد في طريق طلبه، لا يَقَرُّ قراره حتى يَظْفَرَ بأربِه، فهو الكائنُ معهم بجسده، البائنُ منهم بمقصده، نامت في طلب الهدى أعينهم وما ليلُ مَطِيهِ بئائم (¬2)، وقعدوا عن الهجرةٍ النبوية وهو في طلبها مُشَمِّر قائم، يعيبونه بمخالفة آرائهم، ويُزْرُونَ عليه إزراء على جهالاتهم وأهوائهم؛ قد رَجَموا فيهْ الظُّنون، وأَذْكَوْا (¬3) عليه العيون، وتَربَّصُوا به ريبَ المنون. {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)} (¬4). {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)} (¬5).
نَحْنُ وإيَّاكُمُ تموت ولا (¬6) ... أفلحَ عند الحسابِ مَن نَدِمَا
والمقصود أن هذه الهجرة النبوية شأنها شديد، وطريقها على غير المشتاق وَعِيْر بعيد.
¬__________
(¬1) في الأصل: "قطعوا" تحريف.
(¬2) إشارة إلى بيت جرير (في ديوانه: 993):
لقد لُمتِنا يا أم غيلان في السُّرَى ... ونمتِ وما ليل المطي بنائمِ
(¬3) ق، ط: "أحدقوا فيه". وفي هامش الأصل: "أي أحدقوا".
(¬4) سورة التوبة: 52.
(¬5) سورة الأنبياء: 112.
(¬6) ط: "فما".

الصفحة 22