كتاب إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

فهو أولى بِأَن يُعذرَ من المُكْرَهِ الذي لم يَتسلط عليه غضبٌ يأمُره وينهاه، كما سيأتي تقريره بعد هذا إن شاء الله.
وإذا كان الغضبُ هو الناطق على لسانه، الآمر الناهي له، لم يكن ما جَرى على لسانه في هذه الحال منسوبًا إلى اختياره ورضاه، فلا يتم من عليه أثره (¬1).

الوجه الخامس: قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200] في ثلاثة مواضع من القرآن (¬2).
وما يتكلمُ به الغضبان في حال شدة غضبه، مِن طلاقٍ أو شتمٍ ونحوه، هو من نزغات الشيطان، فإنه يُلجئُه إلى أن يقول ما لم يكن مختارًا لقوله، فإذا سُرِّيَ عنه عَلِم أن ذلَك مِنْ إلقاء الشيطان على لسانه، مِمَّا لم يكن بِرَضاهُ واختيارِه.
والغضب من الشيطان، وأثرُه منه، كما في الصحيح أن رجلين اسْتبّا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى احْمَرَّ وَجْهُ أحدهما وانتفخت أوداجه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من
¬__________
(¬1) كذا في الأصل. ولعل "مَن" موصولة.
(¬2) الموضع الأول في سورة الأعراف: [الآية: 200] , والثاني في سورة فصلت [الآية: 36] , والثالث قوله تعالى في سورة المؤمنون {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)} [المؤمنون: 97، 98].
قال ابن كثير في فاتحة تفسيره (1/ 137)]: "فهذه ثلاث آيات ليس لهنَّ رابعة في معناها".

الصفحة 14