كتاب مجانبة أهل الثبور المصلين في المشاهد وعند القبور

ثمَّ ذكرَ سَعِيْدٌ: أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَثَ خَالِدَ بنَ الوَلِيْدِ إلىَ العُزَّى لِيَهْدِمَهَا، فخَرَجَ خَالِدٌ في ثلاثِينَ فارِسا مِنْ أَصْحَابهِ إلىَ العُزَّى، حَتَّى انتهَى إليْهَا فهَدَمَهَا.
ثمَّ رَجَعَ إلىَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ لهُ: «أَهَدَمْتَ؟».
قالَ: نعَم، يا رَسُوْلَ الله.
قالَ: «هَلْ رَأَيتَ شَيْئًا؟».
قالَ: لا.
قالَ: «فإنك َ لمْ تهْدِمْهَا! فارْجِعْ إليْهَا فاهْدِمْهَا».
فخَرَجَ خَالِدُ بنُ الوَلِيْدِ - وَهُوَ مُتَغَيِّظ ٌ- فلمّا انتهَى إليْهَا جَرَّدَ سَيْفهُ، فخَرَجَتِ امْرَأَة ٌ سَوْدَاءُ عُرْيانة ٌ! ناشِرَة ٌ شَعْرَهَا!
فجَعَلَ السّادِنُ يَصِيْحُ بهَا - قالَ خَالِدٌ: وَأَخَذَنِي اقشِعْرَارٌ في ظهْرِي- وَيقوْلُ:
أَعُزَّى! شُدِّي شَدَّة ً لا تُكذِّبي ... أَعُزَّى! أَلق ِ القِنَاعَ وَشَمِّرِي
أَعُزَّى! إنْ لمْ تقتلِي المرْءَ خَالِدًا ... فبوْئِي بإثمٍ عَاجِل ٍ أَوْ تنصَّرِي
فأَقبلَ خَالِدٌ باِلسَّيْفِ إليْهَا وَهُوَ يَقوْلُ:
يَا عُزَّى! كفرَانكِ لا سُبْحَانكِ ... إني رَأَيتُ الله َ قدْ أَهَانكِ
قالَ: فضَرَبهَا باِلسَّيْفِ، فجَزَلها باِثنتين ِ، ثمَّ رَجَعَ إلىَ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأَخْبرَهُ.
فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم، تِلك َ العُزَّى قدْ أَيسَتْ أَنْ تعْبَدَ ببلادِكمْ أَبدًا.

الصفحة 278