ولقد كان الحامل له على أن يدخل نفسه فيما لا يحسنه إنما هو الظهور بمظهر الباحث المحقق الذي جاء بما لم تستطعه الأوائل وهو أن يقدم إلى المتشددين سلاحا جديدا لإبطال دلالة حديث الخثعمية الصحيح على جواز الإسفار عن الوجه فقد اعترف في أول بحثه بأن فيه تقريرا على كشف الوجه خلافا للشيخ التويجري ومقلديه بيد أنه علل كشفها بأنه إنما " كان لأجل النظر في حق الخاطب " كما قال (ص 37) ثم أكد ذلك في مكانين آخرين (ص 38 و 40)
فيقال له: لقد أصابك هوس التأويل والتعطيل للأدلة الصريحة في الحديث الصحيح المتفق عليه باعتمادك على هذه الزيادة المنكرة مع أنه ليس فيها أن النبي A كان خاطبا وإنما فيها العرض عليه A لعله يتزوجها فلو صح هذا فهو كحديث الواهبة نفسها للنبي A الذي حمله التويجري على الخاطب أيضا ولا خاطب كما تقدم بيانه في الرد عليه في " البحث السادس: تعطيل الأحاديث الصحيحة المخالفة لهم " (ص 41) فراجعه فإنه مهم
ثم لو سلمنا بما زعم السندي فذلك لا يقتضي أن قصة بنت الأعرابي هو نفس قصة الخثعمية بل هذه غير تلك يقينا وإلى ذلك جنح الحافظ ابن القطان في كتابه " النظر في أحكام النظر " (52 / 1 - 2) لاختلاف سياقها عن تلك فبقيت سالمة من ذاك التأويل الهدام
[62]
الحديث الخامس: عن أم سلمة قالت:
كنت عند رسول الله A وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم - وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب - فقال النبي A: " احتجبا منه ". فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال النبي A:
أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟
أخرجه أصحاب السنن إلا ابن ماجه وغيرهم من طريق الزهري: حدثني نبهان مولى أم سلمة عنها. وهو مخرج في " الإرواء " (6 / 210 / 1806) و " الضعيفة " (5958) فمن شاء التفصيل رجع إليهما أو على الأقل إلى الأول منهما لأن الآخر لما يطبع حتى الساعة
وخلاصة التحقيق الوارد فيهما:
1 - أن الحديث تفرد به نبهان وعنه الزهري كما قال النسائي والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم