" والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا أو [كان] الاتفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعا النقل إما أن يكون صدقا مطابقا للخبر وإما أن يكون كذبا تعمد صاحبه الكذب أو أخطأ فيه فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقا بلا ريب
وإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات (قلت: كحديث هذا) وقد علم أن المخبرين لم يتواطآ على اختلافه وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقا بلا قصد علم أنه صحيح مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال ويأتي شخص قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال فيعلم قطعا أن تلك الواقعة حق في الجملة فإنه لو كان كل منهما كذبها عمدا أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه. (قال:) وبهذه الطريق يعلم عامة ما تتعدد جهالته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات وإن لم يكن أحدهما كافيا إما لإرساله وإما لضعف ناقله ". (قال:)
وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك
[97]
ولهذا إذا روي الحديث الذي يأتي فيه ذلك عن النبي A من وجهين مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر جزم بأنه حق لا سيما إذا علم أن نقلته ليسوا ممن يتعمد الكذب وإنما يخاف على أحدهما النسيان والغلط
وذكر نحو هذا المقطع الأخير من كلامه C الحافظ العلائي في " جامع التحصيل " (ص 38) وزاد:
فإنه يرتقي بمجموعهما إلى درجة الحسن لأنه يزول عنه حينئذ ما يخاف من سوء حفظ الرواة ويعتضد كل منهما بالآخر
ونحوه في " مقدمة ابن الصلاح " " ومختصرها " لابن كثير ثم قال ابن تيمية C تعالى (ص 352) :
وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيئ الحفظ وبالحديث المرسل (1) ونحو ذلك ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره
ثم ذكر قول أبي أحمد: " قد أكتب حديث الرجل لأعتبره " وضرب عليه مثلا ابن لهيعة كما تقدم في كلامه السابق (ص 96)
_________
(1) قلت: فيه رد مباشر على العدوي والعنبري ونحوهما من الأحداث في العلم فإنهم لم ينتفعوا بمرسل قتادة ومسند ابن لهيعة الذي عيبه سوء الحفظ وعبيد بن رفاعة بزعم أنه مجهول. انظر (ص 88)
[98]