حكى أبو الفرج القاضي (¬1) عن أبي المصعب الزهري عن مالك قال: "القصر في السفر للنساء والرجال سنّة".
ثمّ قال أبو الفرج: "فلا معنى للاشتغال بالاستدلال على مذهب مالك مع ما ذكره أبو المصعب عنه أنّ القصر عنده سنّة لا فرض".
ومِمّا يدلّ على ذلك من مذهبه أنّه لا يرى الإعادة على مَن أتمّ في السفر إلاّ في الخوف (¬2).
قال أبو عمر: أصل القصر في السفر مع الخوف خرج مخرج الإباحة والرخصة لقوله - عز وجل -: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}، ثمّ سَنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - القصر في السفر أَمْنًا، فهو على ذلك الأصل، والله أعلم.
وقد رُوِّينا عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - والقاسم بن محمّد أنّهما قالا [بذلك] (¬3).
[حدّثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدّثنا قاسم، (¬4) ابن أصبغ
¬__________
(¬1) أبو الفرج بن العطّار القاضي، فقيه، أديب، من الموصوفين بالدهاء، والبلاغة والحذق، وكان رئيسًا محتشمًا، توفّي بعد الأربعين وأربعمائة.
انظر ترجمته في: "بغية الملتمس" (ص 460 رقم 1545) للضبي، و"جذوة المقتبس" (ص 363 رقم 951)، وقال: "رأيته في حدود الأربعين وأربعمائة"، و"التكملة لكتاب الصلة" (4/ 65 - رقم: 180).
(¬2) هذا كلّه ذكره ابن عبد البرّ في "التمهيد" (16/ 317).
(¬3) غير موجودة بالأصل، والسياق يقتضيها لتمام المعنى.
(¬4) الزيادة من "التمهيد" (16/ 302) والسياق يقتضيها، والأثر أخرجه ابن عبد البرّ في "التمهيد".
وكذا أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/ 135) من طريق مالك بن مغول عن أبي حنظلة به، إلاّ أنّه قال: "ونحن آمنون"، بدل: "ونحن نجد الزاد والمزاد"، وأخرجه - أيضًا - في (2/ 20)، وكذا الدولابي في "الكنى" (1/ 160) من طريق يحيى بن سعيد القطّان عن إسماعيل - أعني: ابن أبي خالد - عن أبي حنظلة به. =