كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري

واشتدّ عليكم القتال أن تنشمروا (¬1) إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا، فأبت قريش وغطفان أن يعطوهم رهنًا (¬2) وحرّك الله بينهم وبعث عليهم الريح الشديدة في ليال شديدة البرد، فجعلت تكْفَؤُ قُدورَهم، وتَطْرَح أَبْنِيَتَهم حتّى فَرُّوا ليلاً (¬3)، فلمّا أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيقن بفرارهم، انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة هو والمسلمون ووضعوا السلاح (¬4)، فلمّا كان الظهر، أتى جبريل - عليه السلام - رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في صفة دِحْيَةَ بنِ خليفة الكلبي، قال الزهري: معتجرًا بعمامة من استبرق على بغلة عليها قطيفة ديباج، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد وضعت السلاح؟ قال: نعم، قال جبريل: ما وَضعَت الملائكةُ السلاحَ بعدُ، وما رجعتُ الآن إلاّ مِن طلب
¬__________
= الرسل والملوك" (2/ 97)، و"السيرة النبوية" (4/ 189)، و"البداية والنهاية" (4/ 112)، كلهم من طريق ابن إسحاق مرسلة.
قال ابن منظور في "اللسان" (6/ 118): "وضرسهم الزمان: اشتدّ عليهم ... وضَرَسته الحروب تَضْرِسُه ضَرْسًا: عَضَّته، وحرب دروس: أكول عضوض".
(¬1) في "لسان العرب" (4/ 427): "شَمَر يَشْمُر شَمْرًا وانشَمَر وشَمَّر وتَشَمَّر: مرّ جادًّا".
(¬2) انظر لهذا قصّة نعيم بن مسعود الغطفاني "السيرة" لابن هشام (2/ 319 - 320) عن ابن إسحاق معلّقًا، و"مغازي" الواقدي (2/ 480 - 483)، و"مصنف عبد الرزاق" (5/ 368 - 369) مرسلاً عن ابن المسيِّب، ومراسيله أحسن المراسيل، وموسى بن عقبة من روايته عن الزهري المرسلة - ومراسيله ضعيفة - عند البيهقي في "الدلائل" (3/ 404 - 405).
(¬3) انظر: ابن سعد (2/ 97) من مرسل سعيد بن جبير، و"دلائل النبوّة" للبيهقي (3/ 406) من رواية موسى بن عقبة عن الزهري، وهي مرسلة كما مرّ.
(¬4) أخرجه البخاري في [المغازي (4117) باب مرجع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إيَّاهم].

الصفحة 173