كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري

وأمّا حديث القليب، فهو ثابت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس عنه: "أنْهُ وَقَفَ عَلَى كفَّارِ قُرَيْشِ؛ عُتْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبةَ، وَأَبِي جَهْل بْنِ هِشَامٍ، وَأَشْيَاعِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ القَلِيبِ، فَنَادَاهُمْ بِأَسمائِهِمْ: هَلْ وَجَدتُّمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدتُّ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًا"، فقال له أصحابه: يا رسول الله؛ أتنادي قومًا قد جيفوا؟ فقال: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ لمِا أَقُولُ، وَلَكِنّهمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا" (¬1).
فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّهم سمعوه، وقد يحتمل أن يكون وقوفه عليهم ونداؤه إيّاهم كان في الوقت الذي تُرَدّ فيه الروح في القبر إلى من يساءل عن ربّه ودينه، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّ المنافق هو في الدرك الأسفل من النار يساءل عن ذلك، فغير نَكِير أن يساءل عن ذلك أو
¬__________
= وقال ابن كثير عند هذه الآية: "قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "هذه الآية كقوله تعالى: {تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)} "، وكذا قال ابن عبَّاس والضحاك وقتادة وأبو مالك، وهذا هو الصواب الذي لا شكّ فيه ولا مرية"، ثمّ ذكر في معنى ما ذكره المصنّف عن السدّي وضعّفه.
(¬1) هذا الحديث بهذا اللفظ أخرجه الطبري (2/ 37)، وابن هشام في "السيرة" (2/ 638 - 639)، وابن كثير في "البداية والنهاية" (3/ 292) من طريق ابن إسحاق قال: حدّثني حميد الطويل عن أنس به، انظر "الدرر" للمصنف (1/ 107).
وأخرج نحوه البخاري في "الصحيح" [المغازي (3976) باب قتل أبي جهم]، والإمام أحمد برقم (12014، 15766) من طريق قتادة عن أنس به، وأخرجه مسلم في [كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها (2874) باب عرض مقعد الميّت] من حديث ثابت عن أنس.
وفيه قال قتادة: "أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخًا وتصغيرًا ونَقِيمةً وحسرةً وندمًا".
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (7/ 353): " أراد قتادة بهذا التأويل الردّ على من أنكر أنهم يسمعون، كما جاء عن عائشة أنها استدلّت بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} ".

الصفحة 192