كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري

وقد روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من نقل الآحاد العدول معنى ما أجمعوا عليه؛ من ذلك روى شعبة عن معاوية بن قُرّة بن إياس المزني عن أبيه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنّ رجلًا من الأنصار مات له ابن صغير فوجد عليه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَسُرُّكَ أَلّا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ إلَّا وَجَدْتَهُ يَسْتَفْتِحُ لَكَ؟ "، فقال أو فقيل له: يا رسول الله؛ أله خاصّة أم للمسلمين عامّة؟ فقال: "بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةٌ" (¬1).
وقد أجمع جمهور العلماء على القول بهذا الحديث، وكفى بهذا حجّة.
وأمّا حديث طلحة بن يحيى عن عمّته عائشة بنت طلحة عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: "أُتِيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ مِن صِبيان الأعراب ليُصَلِّيَ عليه، فقالت: طُوبَى له، عُصْفُورٌ مِن عصافيرِ الجنّة، لَم يعمل سوءًا ولم يُدْرِكْه ذنب، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ الجَنّةَ، وَخَلَقَ لهَا أَهْلًا، وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبائِهِمْ، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لهَا أَهْلًا وَهُمْ فِي أَصْلاَبِ آبائِهِمْ، اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كانُوا عَامِلِينَ"" (¬2).
¬__________
= وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 245): "قال القرطبي: نفى بعضهم الخلاف في ذلك، وكأنّه عنى به ابن أبي زيد، فإنّه أطلق الإجماع في ذلك، ولعلّه أراد إجماع من يعتدّ به".
وقال - أي: الحافظ -: "وكون أولاد المسلمين في الجنّة قاله الجمهور، ووقفت طائفة قليلة".
(¬1) الحديث أخرجه النسائي في "المجتبى" في [الجنائز منه، باب الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة]، وابن حبّان - كما في "الإحسان" (4/ 262) - والإمام أحمد (5/ 34، 35)، والحاكم (1/ 384)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد"، وأقرّه الذهبي.
(¬2) الحديث أخرجه مسلم في [القدر (2662) باب معنى: "كلّ مولود يولد على الفطرة"] من طريق فضيل بن عمرو وطلحة بن يحيى كلاهما عن عائشة بنت طلحة به.

الصفحة 206