كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري

قالوا: فقد ثبت بهذه الأحاديث أنّ شبه العمد ما ليس بعمد محض ولا خطأ محض، ومِمّن قال بإثبات شبه العمد من الفقهاء؛ الشافعي وأبو حنيفة والثوري وعثمان البتي وأصحابهم، وابن شُبْرُمة وابن أبي ليلى والأوزاعي والطبري وأهل الحديث وجماعة فقهاء العراقيين والشاميين وجمهور التابعين.
وقال أبو حنيفة والشافعي ومَن تَبِعَهم: الدية في ذلك على العاقلة، وقال ابن شُبْرُمة والبتي والأوزاعي: هي في مال الجاني مغلّظة (¬1).
واختلفوا في كيفية شبه العمد، فجملة قول أبي حنيفة أنّه إذا قتله بحديدة أو بلفظة قضيب أو بالنار فهو عمد، وفيه القصاص (¬2)، وما سوى ذلك من العمد لا قصاص فيه، وفيه الدِّية مغلّظة على العاقلة وعلى القاتل الكفّارة، وجملة قول أبي يوسف ومحمّد أنّ شبه العمد ما لا يَقتُل، كاللطمة الواحدة، والضربة الواحدة بالسوط والوكز، و [لو كرّر] (¬3) ذلك حتّى صار جملته مِمّا يقتل؛ كان عمدًا، وفيه القصاص بالسيف، وكذلك إذا غرّقه في ماء بحيث لا يمكنه الخلاص منه، وهو قول عثمان البتّي، إلّا أنّه يجعل دية شبه العمد [في ماله] (¬4) [وقال الثوري: شبه العمد] (¬5) أن يضربه بعصًا أو
¬__________
(¬1) انظر: "المغني" (12/ 16)، و"نيل الأوطار" (7/ 92)، و"معرفة السنن والآثار" (6/ 197)، و"بدائع الصنائع" (7/ 255).
(¬2) انظر: "بدائع الصنائع" (7/ 233)، و"تبيين الحقائق" (6/ 97 وما بعدها)، و"تكملة فتح القدير" (8/ 244)، و"الدر المختار وردّ المحتار" (5/ 375)، و"أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 323).
(¬3) ليست بالأصل، والسياق يقتضيها، واستدركتها من "أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 228).
(¬4) ليست بالأصل، والاستدراك من "أحكام القرآن" للجصّاص (2/ 228)، فقد نقله المصنِّف عنه بالحرف، وكذا هو في "الاستذكار" (8/ 166).
(¬5) ليست بالأصل - أيضًا - والتصويب من "أحكام القرآن" للجصّاص (نفسه).

الصفحة 238