كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة من كتاب البخاري

تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} [الزمر: 42]، ومرّة إلى ملك الموت بقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النحل: 32] , وجائز أن يُضاف الشيء إلى مَن له فيه سبب في كلام العرب، ويُحتمَل أن يكون معناه: أنّ إبراهيم منع من الصيد بمكّة والقتال فيها، ونحو ذلك، وإنّي أمنع من مثل ذلك في المدينة، و"التحريم" في كلام العرب: "المنع".
تقول العرب: حرّمت عليك داري، أي: منعتك من دخولها، وقال الله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12]، وموسي صغير لا تلحقه عبادة، وإنّما أراد: مَنَعْناه قَبول المراضع، وكما يدلّ - أيضًا - أنّ الله حرّم وليس إبراهيم الذي حرّمها، كما روي عمرو عن أنس قولَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: أنت القائل لمكة خير (¬1) من المدينة؟ فقال له: هي حرم الله وأَمْنُه، وفيها بيته، فقال عمر: لا أقول حرّم الله شيئًا (¬2)، ولم يقل له: لا تَقُل حرّم الله وحرّم إبراهيم.
وفي حديث مالك وغيره عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ دَعَاكَ لِمَكَّةَ" (¬3)، وهذا أولى من رواية مَن روي: "أَنَّ
¬__________
(¬1) في الأصل: "خير منّي من المدينة"، والصواب ما أثبتُّ.
(¬2) أخرجه مالك في "الموطّأ" في كتاب الجامع منه (1611) باب ما جاء في أمر المدينة، وفيه: "أأنت القائل: لمكّة خير من المدينة؟ ! ... فقال عمر: لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئًا"، وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير" (1/ 137) من طريقين عن عبد الرحمن بن القاسم، فأخرجه من طريق مالك عنه متّصلًا، ومن طريق يحيى بن سعيد عنه بلاغًا، وقال البخاري: "وحديث ابن سعيد بإرساله أصح"، وأخرجه الدارقطني في الأحاديث التي خولف فيها مالك ص (138) رقم (68).
وأخرجه الفاكهي في "أخبار مكّة" (2/ 262) من طريق يحيى بن سعيد عنه به.
(¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" كتاب الجامع (1594) باب الدعاء للمدينة وأهلها. =

الصفحة 99