كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 1)

وطرحها على الأرض، فكأنه صان المسجد عما تصان عنه لحيته " (¬1).
7 - زهده: قال سليم بن مجاهد: " ما رأيت بعيني منذ ستين سنة أفقه ولا أورع، ولا أزهد في الدنيا من محمد بن إسماعيل " (¬2).
وقال الحسين بن محمد السمرقندي: " كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال، مع ما كان فيه من الخصال المحمودة: كان قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كلُّ شُغلِهِ كان في العلم " (¬3) وذكر محمد بن العباس الفربري أن بعض أصحاب البخاري ضَيَّفه في بستانٍ له فلما جلسوا أعجب صاحب البستان بستانه؛ لأنه قد عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقال: يا أبا عبد الله، كيف ترى؟ فقال: " هذه الحياةُ الدنيا " (¬4).
8 - ورعه: تربّى على الورع؛ ولهذا جاء عن والده إسماعيل: أنه قال عند موته: " لا أعلم من مالي درهما من حرام، ولا درهما من شبهة " (¬5) وقد وَرِثَ البخاري من أبيه مالا جليلا (¬6) ومن عظم ورعه أنه كان يقول: " ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام " (¬7) وهذا يظهر في كلامه في الجرح والتعديل؛ فإن من تأمل ذلك علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعِّفه؛ فإنه كثيرا ما يقول: " منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر " ونحو هذا، وقَلَّ أن يقول: " كذّاب أو وضّاع "؛ وإنما يقول: " كَذّبَهُ فلان، رماه فلان، يعني بالكذب " (¬8).
قال أبو عمر أحمد بن نصر الخفاف: " حدثنا محمد بن إسماعيل التقي النقي الذي لم أرَ مثله " (¬9).
¬_________
(¬1) هدي الساري، لابن حجر، ص 481.
(¬2) سير أعلام النبلاء، للذهبي، 12/ 449.
(¬3) المرجع السابق 12/ 448.
(¬4) سير أعلام النبلاء، للذهبي، 12/ 445.
(¬5) هدي الساري لابن حجر، ص 479.
(¬6) انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 12/ 447 وهدي الساري لابن حجر، ص 479.
(¬7) هدي الساري، لابن حجر، ص 480، وانظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي، 12/ 439، 441.
(¬8) انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي، 12/ 439 وهدي الساري، لابن حجر، ص 480.
(¬9) تهذيب الأسماء واللغات، للنووي، 1/ 69، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، 12/ 436، 442.

الصفحة 24