كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 1)
النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس بفعله في هذا الحديث إلى التواضع، والحلم، والصبر، وتحمل الأذى، وإفشاء السلام، وإطفاء الفتن، والعفو والصفح، والحرص على الدعوة إلى الله عز وجل (¬1) وهذا يؤكد على الدعاة إلى الله رحمه الله العناية بتعليم الناس وحضهم على مكارم الأخلاق؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (¬2) وقد دعا الناس إلى هذه المكارم بقوله وفعله صلى الله عليه وسلم (¬3).
ثانيا: من صفات الداعية: التواضع: دل هذا الحديث على صفة التواضع من عدة وجوه: ركوب النبي صلى الله عليه وسلم الحمار، وركوبه على قطيفة، وإردافه الغلام، وزيارته صلى الله عليه وسلم لسعد بن عبادة؛ فإن زيارة الكبير للصغير من التواضع (¬4).
فينبغي للداعية أن يكون متواضعا اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم (¬5).
ثالثا: من وسائل الدعوة: الزيارة والعيادة: إن من وسائل الدعوة المؤثرة في حياة المدعو: الزيارة وعيادة المرضى، وقد دلَّ فعل النبي صلى الله عليه وسلم بزيارته لسعد بن عبادة في هذا الحديث على ذلك؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " فيه عيادة الكبير بعض أتباعه في داره " (¬6).
فينبغي للداعية أن يعتني بهذه الوسيلة عناية خاصة؛ ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل الزيارة في الله عز وجل وعيادة المرضى، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «جاء أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: يعود الحسن بن علي رضي الله عنهما، فقال له عليّ رضي الله عنه: أجئت عائدا أم شامتا؟ فقال: بل جئت عائدا، فقال علي: إن جئت عائدا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أتى أخاه المسلم عائدا مشى في خرافة
¬_________
(¬1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 401.
(¬2) البيهقي، 10/ 192، وأحمد، 2/ 381، والحاكم، 2/ 613، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 14، الدرس الأول، ص 139.
(¬3) انظر: الحديث رقم 14، الدرس الأول، ورقم 35، الدرس التاسع.
(¬4) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 405، وعمدة القاري للعيني، 14/ 240، 18/ 55.
(¬5) انظر: الحديث رقم 33، الدرس الحادي عشر، ورقم 62، الدرس الثالث.
(¬6) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 231.