كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 1)

فإن ظلم المعاند ولم يرجعِ إلى الحق انتقِل معه إلى مرتبة استخدامِ القوة (¬1) قال الله عز وجل: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] (¬2).
واستخدام القوة بالكلام والتأديب لمن له سلطة وقوة مشروعة، وبالجهاد في سبيل الله تحت لواء ولي أمر المسلمين بالشروط التي دل عليها الكتاب والسنة، وهذا ما يقتضيه مفهوم الحكمة الصحيح؛ لأنها وضع الشيء في موضعه بإحكام، وإتقان، وإصابة (¬3).
الثالث عشر: من صفات الداعية: العناية الدائمة بالدعوة إلى الله عز وجل: إن من الصفات الحميدة والأعمال الجليلة: العناية الفائقة الدائمة بالدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا كان أعظم الناس فيها حظا ونصيبا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وقد ظهر في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سار في طريقه إلى جموع مختلطة من المشركين عبدة الأوثان، واليهود، والمسلمين، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، ثم عمل عملا دعويا آخر وهو الإِصلاح بين هؤلاء حينما كادت الجموع أن يثور بعضها على بعض فسكنهم حتى أطفأ الفتنة صلى الله عليه وسلم، ثم قام وسار في عملٍ دعوي آخر وهو زيارته لسعد بن عبادة رضي الله عنه، وهذا يدل على أن عمله كله دائم في الدعوة والعبادة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل» (¬4) قال النووي رحمه الله: " وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من: الحلم، والصفح، والصبر على الأذى في الله تعالى، ودوام الدعاء إلى الله تعالى، وتألف القلوب والله أعلم " (¬5).
¬_________
(¬1) انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم، 1/ 517.
(¬2) سورة العنكبوت، الآية 46.
(¬3) انظر: فتاوى ابن تبمية، 2/ 44، 45، 15/ 243، 19/ 164، والتفسير القيم لابن القيم، ص 344، ومفتاح دار السعادة، لابن القيم 1/ 474، 517، وتفسير ابن كثير 3/ 416 و 4/ 315، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين بن المختار الشنقيطي، 2/ 174 - 175، وفتاوى محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 1/ 90.
(¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 1970، ومسلم برقم 782، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 18، الدرس السادس، ص 163.
(¬5) شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 401.

الصفحة 629