كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 2)

لأبواب الشرك وقطعا لوسائله؛ ولهذا قال: «لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت» قوله: "أو قلادة" قيل: للتنويع (¬1) وقيل: للشك (¬2) ووقع في رواية أبي داود: «لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ولا قلادة إلا قطعت» (¬3) فدل ذلك على أنه من عطف العام على الخاص (¬4) وقد اختلف أهل العلم في المقصود بالأوتار: فقيل: إنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي؛ لئلا تصيبها العين، الواحد منه "وتر القوس" (¬5) فأمروا بقطعها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئا. وقيل: نهاهم عن ذلك لئلا تختنق الدابة بها عند الركض أو عند الرعي في الأشجار. وقيل: نهاهم عن ذلك، لأنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس» (¬6)؛ ولحديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الآخر: «الجرس مزامير الشيطان» (¬7) وقيل: إن الأوتار في هذا الحديث بمعنى طلب الدم والثأر، أي: لا تطلبوا بها ذحول الجاهلية (¬8) وأنكر الإمام القرطبي وغيره هذا القول الرابع فقال: "يعني بالوتر: وتر القوس ولا معنى لقول من قال: إنه يعني بذلك: الوتر الذي هو الذحل: وهو طلب الثأر؛ لبعده لفظا ومعنى" (¬9) قلت: والصواب ما قاله الإمام مالك رحمه الله أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي؛ لئلا تصيبها العين، وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "والصواب أن ذلك النهي في باب الاعتقاد، وخشية العين،
¬_________
(¬1) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 5/ 436، وفتح الباري، لابن حجر، 6/ 341.
(¬2) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 5/ 436، وشرح النووي على صحيح مسلم 14/ 341.
(¬3) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في تقليد الخيل بالأوتار، 3/ 24، برقم 2552.
(¬4) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 6/ 141.
(¬5) انظر: موطأ الإمام مالك، 2/ 937، وصحيح مسلم برقم 2115.
(¬6) صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب كراهية الكلب والجرس في السفر، 3/ 1672، برقم 2113.
(¬7) المرجع السابق في الكتاب والباب المشار إليهما، 3/ 1672 برقم 2114.
(¬8) انظر: أعلام الحديث للخطابي 2/ 1425، والاستذكار لابن عبد البر، 26/ 362 - 365، وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 125، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 4/ 99، وشرح النووي على صحيح مسلم، 1/ 341، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 141، وعمدة القاري للعيني 14/ 252، وشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 4/ 405.
(¬9) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 5/ 435.

الصفحة 671