كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 2)

سادسًا: من معجزات الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإخبار بالأمور الغيبية: ظهر في هذا الحديث معجزة عظيمة تدل على صدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن الله عَزَّ وجَلَّ أرسله؛ ولهذا قال العلامة العيني رحمه الله: "وفيه البيان عن بعض أعلام النبوة، وذلك إعلام الله تعالى نبيه بخبر المرأة، الحاملة كتاب حاطب إلى قريش ومكانها الذي هي به، وذلك كله بالوحي" (¬1) وهذا يؤكد على الدعاة أن يبينوا للناس أعلام نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الحاجة لذل (¬2).
سابعًا: أهمية هتك أستار الجواسيس والمفسدين: إن الستر الذي رغب الشرع فيه هو الذي لا يترتب عليه مفسدة، ولا يفوت به مصلحة؛ ولهذا لم يستر على المرأة حاملة كتاب حاطب ولم يستر أيضًا على حاطب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بل وبخ وأدب بالكلام القوي؛ ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا حاطب ما هذا؟» وفي رواية: «يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟» وقال علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأصحابه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم للمرأة: "لتخرجن الكتاب أو لأجردنك"؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلًا أو امرأة، وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة، أو كان في الستر مفسدة، وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ولا يفوت به مصلحة، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر" (¬3) وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "هذا الحديث عظيم وفيه مسألتان: 1 - جواز التجسس إذا كان فيه نفع للمسلمين، كما فعل علي والزبير والمقداد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
2 - تحريم التجسس إذا كان فيه ضرر للمسلمين، أو لم يكن فيه مصلحة للمسلمين، والتجسس فيما يضر المسلمين يوجب القتل، لكن هذا الرجل له شبهة؛ ولهذا قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عذره؛ لأمرين؛ كونه شبه عليه الأمر، [و] كونه
¬_________
(¬1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 14/ 257.
(¬2) انظر: الحديث رقم 21، الدرس الرابع.
(¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 288، وانظر: عمدة القاري للعيني 14/ 257.

الصفحة 681