كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 2)

به مصلحة أعظم؛ ولهذا عفا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حاطب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وصفح، وبين أن أهل بدر قد أوجب الله لهم الجنة. فينبغي أن يكون عفو الداعية عن حكمة، ومؤاخذته عن حكمة كحال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم (¬1).
الخامس عشر: من موضوعات الدعوة: الولاء والبراء: لا شك أن الولاء والبراء من موضوعات الدعوة، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث بعد ذكر قصة حاطب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "فأنزل الله السورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] (¬2) وقد أمر الله المؤمنين بموالاة الله ورسوله والمؤمنين، ونهاهم عن موالاة أعداء الله ورسوله، قال عَزَّ وجَلَّ: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] (¬3).
وقال الله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ - وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 55 - 57] (¬4).
وقد بين العلماء رحمهم الله حقيقة الولاية والعداوة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الولاية ضد العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد" (¬5)؛ ولأهمية الولاء والبراء ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال، «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان» (¬6)
¬_________
(¬1) انظر الحديث رقم 85، الدرس الثالث، ورقم 155، الدرس الرابع.
(¬2) من الطرف رقم 4274، وتقدم تخريجه في أصل الحديث، والآية من سورة الممتحنة الآية: 1.
(¬3) سورة المجادلة، الآية: 22.
(¬4) سورة المائدة، الآيات: 55 - 57.
(¬5) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 53.
(¬6) أبو داود، 4/ 220، برقم 4681، والترمذي، 4/ 670، برقم 2521، وأحمد في المسند، 3/ 438، 440، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 68، الدرس الرابع، ص 413.

الصفحة 685