كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 2)

في سبيل الله عَزَّ وجَلَّ؛ لأن من البشر من لا ينفع فيهم إلا القوة؛ ولهذا جاء في خبر أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] "خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام " قال الإمام الكرماني رحمه الله على قوله: "خير الناس للناس": "أي خير بعض الناس لبعضهم وأنفعهم لهم من يأتي بأسير مقيد في السلسلة إلى دار الإسلام؛ ليسلم؛ وإنما كان خيرًا؛ لأنه بسببه صار مسلمًا وحصل أصل جميع السعادات الدنيوية والأخروية" (¬1) فينبغي للمسلمين العناية بهذه الوسيلة العظيمة. والله المستعا (¬2).
خامسًا: شدة إعراض بعض المدعوين حتى لا ينفع فيهم إلا القوة: دل هذا الحديث على شدة إعراض بعض المدعوين؛ ولهذا قال أبو هريرة: "تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم" وقد عجب الله عَزَّ وجَلَّ من شأنهم وعنادهم، ثم دخولهم الجنة بسبب أسرهم في السلاسل ثم إسلامهم؛ ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أول الحديث: «عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل» ومن حكمته وعظمته عَزَّ وجَلَّ أن جعل لكل داء دواءً، فشرع استخدام القوة مع المعاندين المعرضين، وأذن في ذلك وأمر به فسبحانه ما أعظم شأنه وما أحكمه عَزَّ وجَلّ (¬3).
سادسًا: من خصائص أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخيرية: دل هذا الحديث والآية التي في سياقه أن أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير الأمم، كما قال أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قول الله عَزَّ وجَلَّ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] قال: "خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام" فالأمة الإسلامية خير الأمم؛ لأنها تخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، حتى لو كان ذلك بالجهاد في سبيل الله عَزَّ وجَل (¬4)
¬_________
(¬1) شرح الكرماني على صحيح البخاري، 17/ 59، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 225، وعمدة القاري للعيني 18/ 148.
(¬2) انظر: الحديث رقم 18، الدرس الثالث.
(¬3) انظر: الحديث رقم 108، الدرس التاسع عشر.
(¬4) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 4/ 178 - 180.

الصفحة 691