كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 2)

الكفار في الحرب؛ لما في ذلك من أسباب النصر وهزيمة الأعداء؛ ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث: «الحرب خدعة» وفي حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث" بمثل ما جعله يونس من قول ابن شهاب. ونص قول ابن شهاب: "ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها" (¬1).
وهذا يؤكد العناية بخداع الكفار في الحرب؛ قالي الإمام القرطبي رحمه الله: ". . . وأما كذبة تنجي ميِّتًا، أو وليًّا، أو أممًا، أو مظلومًا ممن يريد ظلمه، فذلك لا تختلف في وجوبه أمة من الأمم: لا العرب، ولا العجم" (¬2) وقال الإمام النووي رحمه الله: "واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل" (¬3).
ثانيًا: من وظائف الإمام المسلم: التدبير ووضع الخطط والحيل الحربية: إن من وظائف الإمام التدبير ووضع الخطط؛ لأن الحرب تدبير، واحتيال، وكثيرًا ما كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع اعتماده على الله وتوكله عليه- يجتهد في وضع الخطط العسكرية والحيل الحربية، واستعمال الرأي والمشورة في الحرب (¬4)؛ ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث: «الحرب خدعة» وهذا يدل على أهمية التدبير ووضع الخطط في المعارك؛ للفوز بالنصر وتجنب الزلل؛ ولأن ذلك يشحذ الفكر، ويقوي العزيمة؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث إشارة إلى استعمال الرأي في الحرب: بل الاحتياج إليه أكبر من الشجاعة" (¬5)؛ قال كعب بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ولم يكن
¬_________
(¬1) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الكذب وبيان المباح منه، 4/ 2011، 2012، برقم 2605.
(¬2) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6/ 592.
(¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 289، وانظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 3/ 522، والأذكار للنووي ص 324، وانظر: قصة محمد بن مسلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قتله لكعب بن الأشرف، بعد أن استأذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكذب على كعب، فاحتال علبه بالكذب حتى قتله. البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الكذب في الحرب، 4/ 31، برقم 3032، وباب الفتك بأهل الحرب، برقم 3032.
(¬4) انظر: منار القاري في شرح مختصر صحيح البخاري، لحمزة محمد قاسم، 4/ 121، والمنهل العذب الفرات، لعبد العال أحمد، 3/ 246.
(¬5) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 158.

الصفحة 732