كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 2)

رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد غزوة إلا ورى (¬1) بغيرها. . .» (¬2) قال الإمام ابن العربي رحمه الله: "الخديعة في الحرب تكون بالتورية، وتكون بالكمين (¬3) يعده الجيش، وتكون بخلف الوعد، وذلك كذب من المستثنى الجائز من المحرم " (¬4).
ثالثًا: من موضوعات الدعوة: الحث على أخذ الحذر والحيطة في الحرب: لا شك أن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحرب خدعة» يحث على أخذ الحذر والحيطة في الحروب القائمة بالجهاد في سبيل الله عَزَّ وجَلَّ، وهذا يؤكد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطي جوامع الكلم، فهو يتكلم بالكلمة الواحدة التي تشمل المعاني والفوائد الكثيرة (¬5) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد حديث الباب: "فيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب، والندب إلى خداع الكفار في الحرب، وأن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه" (¬6)؛ قال الله عَزَّ وجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71] (¬7).
وهذا يؤكد على الدعاة إلى الله عَزَّ وجَلَّ أن يحضوا المسلمين وخاصة المجاهدين على أخذ الحذر والحيطة، والعمل بأسباب النجاة وعوامل النصر، والله المستعان (¬8).
رابعًا: حرص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على انتصار أمته على أعداء الإسلام: دل هذا الحديث على حرص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على انتصار أمته على أعداء الإسلام؛ لأنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحرب خدعة» وهذا فيه توجيه منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته؛ لتأخذ بأسباب النصر والتمكين وخداع أعداء الدين في المعارك، وقد بين الله حرص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما يعود على أمته بالخير والصلاح فقال عَزَّ وجَلَّ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] (¬9).
¬_________
(¬1) ورى بغيرها: التورية في الشيء: أن تستر الذي تريده وتظهر غيره. أعلام الحديث للخطابي، 2/ 1411.
(¬2) متفق عليه. البخاري، برقم 4418، ومسلم، برقم 2769، وتقدم تخريجه في أصل الحديث رقم 9، ص 94.
(¬3) الكمين في الحرب: وهو أن يستخفوا في مكمن بحيث لا يفطن بهم ثم ينهضوا على العدو على غفلة. المصباح المنير، للفيومي، باب الكاف، مادة: "كمن" 2/ 541.
(¬4) عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 4/ 146.
(¬5) انظر: الحديث رقم 106: الدرس الأول والدرس الثاني.
(¬6) فتح الباري بشرح صحصح البخاري، 6/ 158.
(¬7) سورة النساء، الآية: 71.
(¬8) انظر: المنهل العذب الفرات لعبد العال أحمد 3/ 246.
(¬9) سورة التوبة، الآية: 128.

الصفحة 733