كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (اسم الجزء: 2)
فينبغي للداعية أن يستخدم الجدل عند الحاجة إليه، ويقصد بذلك إظهار الحق وإبطال الباطل بالأدلة العقلية والنقلية (¬1) امتثالًا لأمر الله - عز وجل - بذلك: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] (¬2).
خامسا: من سنن الله - عز وجل: ابتلاء الأنبياء وأتباعهم: إنما حصل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّْمُ - يوم أحد من الابتلاء والامتحان ما هو إلا سنة من سنن الله - عز وجل - كما قال - عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31] (¬3) وقال - عز وجل - عن ابتلاء الصحابة وما أصابهم يوم أحد: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ - وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: 166 - 167] (¬4).
وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول في ذكره لبعض فوائد حديث البراء - رضي الله عنه: " وهذا ابتلاء وامتحان، فلو كان المسلمون لا يصيبهم شيء ما بقي على الكفر أحد، فهو سبحانه يبتلي هؤلاء بهؤلاء، وهؤلاء بهؤلاء، ولكن العاقبة تكون للمتقين " (¬5)؛ قال الله - عز وجل:
¬_________
(¬1) قد شاع بين الناس ألفاظ قريب بعضها من بعض: الجدل، والمناظرة، والحوار أو المحاورة، والمحاجة، والمناقشة. ويظهر بعض الفروق بين هذه الألفاظ: وهو أن المجادلة يظهر فيها أسلوب القوة، والحوار ورد في القرآن الكريم بمعنى المجادلة، ولكن يظهر في الحوار الهدوء والبعد عن الخصومة، وهو نوع من أنواع الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه، أما المناظرة، فقال الجرجاني في التعريفات ص 287: " المناظرة: لغة من النظير أو من النظر بالبصيرة، واصطلاحا النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارا للصواب " وتمتاز بدلالتها على النظر والتفكر. فهذه الألفاظ كلها: " الجدل، الحوار، المناظرة، المناقشة، المحاجة " تشترك في أنها مراجعة في الكلام ومداولة له بين طرفين. انظر: التعريفات للجرجاني ص106، وص287، ولسان العرب لابن منظور، باب اللام، فصل الجيم، 11/ 103 - 106، وباب الراء فصل الحاء، 4/ 218 - 219، وباب الراء، فصل النون، 5/ 218 - 220، والحوار. آدابه وضوابطه، ليحيى بن محمد، ص 31.
(¬2) سورة النحل، الآية: 125.
(¬3) سورة محمد، الآية: 31.
(¬4) سورة آل عمران، الآيتان: 166 - 167.
(¬5) سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 4043 من صحيح البخاري.