كتاب تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل - ت شمس والعمران - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: مقدمة)
الصحابة فمن بعدهم - يتناظرون في الأحكام، ومسائل الحلال
والحرام بالأدلة المرضئة والحجج القوتة، حتى كان قل مجلس
يجتمعون عليه إلا ظهر الصواب، ورجع راجعون إليه؛ لاستدلال
المستدل بالصحيح من الدلائل، وعلم المنازع أن الرجوع لى الحق
خير من التمادي في الباطل. كمجادلة الصديق لمن نازعه في قتال
مانعي الزكاة، حتى رجعوا إليه، ومناظرتهم في جمع المصحف حتى
اجتمعوا عليه، ومناظرتهم في حد الشارب، وجاحد التحريم، حتى
هدوا إلى الصراط المستقيم. . . " (1).
وهذا هو الجدل المحمود والمناظرة المرضئة، التي تحق الحق
وتكشف الباطل، وتهدف إلى الزشد، مع ما يرجى من رجوع المناظر
عن الباطل إلى الحق (2).
هذه الطريقة كانت هي المعروفة المشهورة قبل أن يفرد هذا العلم
بمؤلفات مستقلة، وتدخله الداخلة من جهات عديدة، ستأتي الاشارة
إليها.
وإذا جاز لنا ن نمثل لهذه المرحلة، فيمكننا القول: إن الكتب
الخلافية المتقدمة أصدق مثال عملي لعلم الجدل، يمكن للمتأمل فيها
أن يستخلص كثيرا من قواعد الفن وضوابطه الصحيحة، من مثل كتاب
"الأم " للشافعي، خاصة مناظراته مع محمد بن الحسن وغيره من فقهاء
__________
(1) "العقود الدرية ": (ص/ 31 - 32)، و"تنبيه الرجل العاقل ": (ص/ 4).
(2) انطر: "الكافية في الجدل " (ص/ 23).