كتاب تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل - ط عالم الفوائد

وأيضًا فإن جَعْله حقيقةً في المعنى العام المدَّعَى كما أنّ فيه دفعَ هذه المفاسد ففيه أيضًا المفاسدُ التي قدَّمناها أو احتمالُ تلك المفاسد وليس في تركِ جَعْلِه حقيقةً إلاّ السكوت ومَن خُيِّر بين ركوبِ طريقٍ فيها دفعُ مفسدةٍ واحتمالُ مفسدة بين تركِها كان التركُ أولى بها ولهذا سُئِل ابن عباس عن رجلين أحدهما كثير الطاعة والذنوب والآخر قليل الطاعة والذنوب فقال لا أَعدِلُ بالسلامة شيئًا
وعن الثالث أن الأصل النافي إنما يحتج به في موضعٍ لم يكثر الوجود بخلافه أو موضعٍ لم يُعلم أن هناك وجودًا يخالف الاستصحاب وقد بيّنا انه ما من لفظٍ إلاّ وهناك معاني كثيرة كلُّها عامٌّ لمواردِ استعماله فتخصيص أحدها بكونه حقيقةً يحتاج إلى دليل فيقال في مثل هذه الصورة كونه لم يرد مع تناول اللفظ معنى يعمّ استعمال لفظ الخصوص ويعمّه أيضًا كونه معنى لفظٍ وكونه مخرجًا وكونه غير مدلولٍ عليه وكونه غيرَ مرادٍ باللفظ ونحو ذلك وشيء من ذلك ليس بحقيقة لفظ التخصيص وإنما حقيقة لفظ التخصيص واحدٌ من هذه الأشياء وذلك لأن هذه المعاني أعمُّ من مواردِ استعمال لفظ العموم وحقيقة اللفظ لابدّ أن تكون مساويةً لموارد الاستعمال كما تقدم
واعلم أن التخصيص عدم إرادة المعنى من اللفظ مع تناوله له بالطريقة التي ذكرناها وهو مطابقة المعنى لموارد الاستعمال عمومًا

الصفحة 258