كتاب تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل - ط عالم الفوائد

وعلى المعترضِ حينئذٍ أن يَقدحَ في الملازمة ويُبيِّنَ أنَّ وجوبَها على الدينِ ليسَ بمستلزمٍ وجوبَها على الفقير إمَّا بذكرِ الفوارق وإمّا بتفريقِ النصوص فيقول مثلاً الفقيرُ ليسَ بيده مالٌ زكوَيٌّ لأنه إن لم يكن مالكًا لمالٍ فمُحالٌ إيجابُ الزكاةِ في غيرِ مالٍ وإن كان مالكًا لعقارٍ أو عَبِيدٍ أو خَيلٍ أو بِغالٍ أو حَميرٍ فهذا جنسٌ غيرُ زكويّ ولهذا لا يجبُ فيه الزكاةُ وإن كان فيه فضلٌ عن الحوائج الأصلية لأن الزكاة إنما تَجِبُ في الأموالِ النَّامية بنفسِها أو بتصريفِها والعقارُ وذواتُ الحافر ليستْ كذلك فلم يَصِحَّ تعليلُ امتناعِ الزكاةِ فيها بحاجةِ المالك وإن كان مالكًا لمالٍ زكَوِيّ وجبتِ الزكاة
وأما المدين فهو مالكٌ لمالٍ زكَويّ فقد انعقدَ سببُ الوجوبِ في حقِّه والمستدلُّ يَدَّعي أنَّ الدَّينَ مانعٌ من تمامِ السبب أو مانعٌ من حُكمِ السبب فعليه بيانُ ذلك
فيقول المستدلُّ إنّ الله تعالى أوجَب الزكاة على الأغنياء بقوله صلى الله عليه وسلم أُمِرْتُ أن آخُذَ الصدقةَ من أغنيائِكم فأَرُدَّها في فقرائِكم فكلُّ من وَجَبتْ عليه الزكاةُ فهو غَنِيٌّ الغِنَى الموُجِبَ للزكاةِ ومَن لا تجبُ عليه فليس بغَنِيٍّ الغِنَى الموجِبَ لها ومالكُ العَقارِ وذواتِ الحافرِ وعَبِيدِ الخدمة وثيابِ البِذْلة ليس بغنىٍّ عن ذلك لأنه يحتاج إلى العقار إمّا لِسُكْناه أو لِكِرائِه ويحتاج إلى ذواتِ الحافرِ إمّا لِرُكُوبها أو لِكِرائِها وكذلك العبيد فلو وَجَبت الزكاةُ في ذلك لاخْتَلَّت مصلحتُه

الصفحة 26