كتاب تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل - ط عالم الفوائد

مذهبك فَسَدَتْ معارضتي وإن فَسَدَ مذهبُك صَحَّتْ معارضتي فأنا أُبطِلُ مذهبَك لتصحيح معارضتي
فيقول له المستدلّ لو أفسدتَ مذهبي لكنتَ غنيًّا عن المعارضة وإذا كانت المعارضة لا تتمُّ إلاّ بإبطالِ مذهبي وإبطالُ مذهبي لا يتم إلاّ بدليل وذلك الدليل معارضة مستقلة بنفسها كانَ ذِكْرُ المعارضةِ كلامًا ضائعًا لأنّ ما لا يدلُّ على الحكم إلاّ بمقدمةٍ تدلُّ على الحكم بنفسها لا يكون دليلاً على الحكم فتكون قد عارضتَ بغير دليل ولا شبهة وهذا من أقبح المعارضات
ثمّ إنك جعلتَ الدليلَ على صحةِ المعارضةِ بطلانَ قولي وجعلتَ المعارضة دليلاً على بطلانِ قولي فجعلتَ كلَّ واحدٍ منهما دليلاً على الآخر والعلم بالمدلول يتوقف على العلم بالدليل فيكون العلم بكلٍّ منهما موقوفًا على العلم بالآخر فلا يَحصُل العلمُ بواحدٍ منهما
ثُمَّ إنك جعلتَ مطلوبَك وهو إبطال مذهبي مقدمةً في الدلالة على بطلانِه وجَعْلُ المطلوبِ مقدمةً في الدليل هو المصادرةُ على المطلوب وهو من أفسد أنواع الشَّغَبِ والجدل الباطل لأنّ المصادرات هي المبادئ التي تَصْدُر في العلوم فتكون إمّا بديهيَّةً أو مسلَّمةً أو مدلولاً عليها في علمٍ آخر فإذا جعلتَ المطلوبَ مصدرًا في إثبات نفسِه وكُنتَ قد جعلتَ الدليلَ نفسَ المدلول والمعلومَ نفسَ المجهول والموجِبَ نفسَ المُوجَبِ وفي هذا ما فيه
أو بأن يُثبِتَ أن تقدير الملزوم لا يُنافي قيام المانع للوجوب على

الصفحة 39