كتاب توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (اسم الجزء: 2)

مذهب جمهور البصريين: أنه لا يجوز نيابة شيء منها مع وجود المفعول به.
ومذهب الكوفيين: جواز ذلك مطلقا، ونقله المصنف عن الأخفش، ونقل بعضهم عنه أنه "إنما"1 يجيز نيابة غير المفعول به إذا تقدم على المفعول به. فالمذاهب على ثلاثة.
قال المصنف: وبقول الكوفيين أقول؛ إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب، ومنه قراءة أبي جعفر2: "ليُجْزَى قوما بما كانوا يكسبون"3, وفي هذا ونحوه أشار بقوله: "وقد يرد".
وإذا فقد المفعول به جازت نيابة كل واحد من هذه الأشياء، قيل: ولا أولوية لشيء منها، وقيل: المصدر أولى4 وقيل: المجرور5، وقال الشيخ أبو حيان6: ظرف المكان أولى"7" 8.
__________
1 أ، ب.
2 هو: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، أحد أصحاب القراءات العشر، انتهت إليه رياسة الإقراء بالمدينة، وكان إمام أهلها في القراءة، ولم يكن أحد أقرأ للسنة منه، وتوفي سنة 130هـ.
3 من الآية 14 من سورة الجاثية؛ فيجزى مبني للمفعول, "بما" نائب فاعل مع تقدم المفعول به وهو قوما, وارتضيت رأي الكوفيين للدليل.
4 لأنه أشرف جزأي مدلول العامل. ا. هـ. صبان 2/ 47.
5 لأنه مفعول به بواسطة الجار. ا. هـ. صبان 2/ 47.
6 هو محمد أثير الدين بن يوسف الغرناطي. ولد بمطخارش من ضواحي غرناطة، وتلقى عن كثيرين، منهم ابن الضائع، ثم هاجر وضرب في مغارب الأرض ومشارقها، ثم انتهى به المطاف إلى القاهرة، فأخذ عن ابن النحاس وصنّف كثيرا، فمن مؤلفاته في النحو: التذييل والتكميل, وملخصه ارتشاف الضرب من لسان العرب، وكان على مذهب ابن الضائع في منع الاستشهاد بالحديث؛ ولذا رد على ابن مالك في شرحه على التسهيل بكلام مسهب، وتوفي بالقاهرة سنة 745هـ.
7 ب- قال أبو حيان في الارتشاف: "واخترت إقامة ظرف المكان".
8 "لأن في إنابة المجرور خلافا ودلالة الفعل على المكان لا بالوضع, بل بالالتزام كدلالته على المفعول به، فهو أشبه المفعول به من المصدر وظرف الزمان؛ لدلالة الفعل وضعا على الحدث والزمان" ا. هـ. صبان جـ2 ص47, نقلا عن الهمع. وارتضيت رأي الشيخ أبي حيان. قال الشيخ الصبان جـ2 ص47: ".............. لكن هذا البحث لا يمنع أولوية ظرف المكان؛ لأن غايته عدم دلالة الفعل أصلا على الحدث والزمان المختصين، ودلالته التزاما على المكان، فلم يخرج من كونه أشبه بالمفعول به منهما" ا. هـ. وراجع الأشموني 1/ 184.

الصفحة 607