كتاب توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك (اسم الجزء: 2)

حكى سيبويه1: "ضربوني وضربت قومك".
فإن قلت: قد قيل: إنه لم ينقله عن العرب, بل هو مثال "مخرج"2 على مذهبه.
قلت: هو خلاف الظاهر، وأيضا فقد سمع نظيره في الكلام الفصيح كقوله:
جَفَوني ولم أَجْفُ الأخلّاء إنني ... لغير جميل من خليليَّ مُهْمِل3
__________
1 قال سيبويه جـ1 ص40: "...... وكذلك تقول: ضربوني وضربت قومك، إذا أعملت الآخر فلا بد في الأول من ضمير الفاعل؛ لأن الفعل لا يخلو من فاعل".
2 أ، جـ, وفي ب "خرج".
3 قال العيني: أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، وبالبحث لم أعثر على قائله, وهو من الطويل.
الشرح: "جفوني" فعل ماض من الجفاء مسند لواو الجماعة, والجفاء: أن تفعل بغيرك ما يسوءه أن تترك مودته، وتقول: جفاه يجفوه جفاء وجفوة, "الأخلاء" جمع خليل وهو كالصديق وزنا ومعنى, "جميل" الشيء الحسن من الجمال وهو الحسن، "مهمل" اسم فاعل من الإهمال وفعله أهمل, يقال: أهملت الشيء, إذا خليت بينه وبين نفسه.
المعنى: أن الأصدقاء لم يلتزموا واجب الصداقة من البر والوفاء وعدم تتبع هفوات الصديق، أما أنا فقد التزمت برهم, ولم أنظر إلا للحسن من أفعالهم.
الإعراب: "جفوني" فعل ماضٍ وواو الجماعة فاعله والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به, "ولم" الواو عاطفة, ولم حرف نفي وجزم وقلب, "أجف" فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الواو وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا, "الأخلاء" مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.
"إنني" إن حرف توكيد ونصب والنون للوقاية وياء المتكلم اسمها, "لغير" جار ومجرور متعلق بقوله: مهمل, "جميل" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة, "من" حرف جر, "خليلي" مجرور بمن وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم والياء مضاف إليه, "مهمل" خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد: في "جفوني ولم أجف الأخلاء".
حيث أعمل الثاني وهو "لم أجف" في "الأخلاء" فنصبه على أنه مفعول به، وأعمل الأول وهو "جفوني" في ضمير وهو واو الجماعة. فلزم على ذلك أن يعود الضمير على متأخر. ودل الشاهد على أن عود الضمير المرفوع على متأخر جائز في هذا الباب.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية ابن الناظم ص 105، ابن هشام 2/ 28، والسندوبي، وداود، والأشموني 1/ 204.

الصفحة 639