كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 1)

¬إقليما أحسن من صقعهم، لأنه جمع من المحاسن ما تفرق في غيره، ومن الفضائل ما تشتت في سواه، يقول أبو عبيد البكري: "الأندلس شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جبايتها، صينية في جواهر معادنها، عدنية في منافع سواحلها ... " (¬١).
وكانت هذه الأرض الطيبة هي تلك التي نطيت فيها عن ابن حزم تمائمه، فولد فيها، ودرج بين أكفانها، وعاش بين جنباتها بين سنة ٣٨٤ هـ وسنة ٤٥٦ هـ، وفي هذه الفترة شهدت الأندلس أفول نجم الخلافة، ومجيء دول الطوائف والتنازع على الإمارة. وتفصيل ذلك: أنه لما توفي الحكم الثاني المستنصر بالله (¬٢) سنة ٣٦٦ هـ خلفه ابنه الصبي هشام المؤيد بالله (¬٣)، وهو فتى في العاشرة من عمره، قليل التجربة، ضعيف العقل، خائر القوى، فحجبه في القصر، واستبد بالأمر دونه المنصور بن أبي عامر (¬٤) الذي استطاع أن يتسنم ذروة الحكم الحقيقي في
---------------
(¬١) انظر: نفح الطيب (ج ١ / ص ٢٥٥).
(¬٢) هو الحكم بن عبد الرحمن الناصر، ولي الخلافة وله سبع وأربعون سنة، وكان حسن السيرة، جامعا للعلوم، محبا لها، مكرما لأهلها، مواصلا لغزو الروم، واتصلت ولايته إلى أن مات في صفر سنة ٣٦٦ هـ. انظر ترجمته في: تاريخ علماء الأندلس (ص ٧) وجذوة المقتبس (ص ١٩) والمغرب (١/ ١٨١) ونفح الطيب (١/ ١٨٠).
(¬٣) هو هشام بن الحكم المستنصر، بويع بالخلافة سنة ٣٦٦ هـ، ولما يجاوز الثانية عشرة من عمره ولم يزل متغلبا عليه، لا يظهر ولا ينفذ له أمر حتى خلع سنة ٣٩٩ هـ. انظر ترجمته في: جذوة المقتبس (ص ٢١) وتاريخ ابن خلدون (٤/ ١٤٧) وبغية الملتمس (ص ٢١).
(¬٤) انظر: جذوة المقتبس (ص ٢١) والمغرب (ج ١ / ص ١٩٩).

الصفحة 22