كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 1)

¬في ذلك الوقت، ثم استحال أمرها إلى خراب وأطلال، بعد فتنة البربر، يقول ابن حزم: "ولقد أخبرني بعض الوُرَّاد من قرطبة -وقد استخبرته عنها- أنه رأى دورنا ببلاط مغيث في الجانب الغربي منها، وقد امحت رسومها، وطمست أعلامها، وخفيت معاهدها، وغيرها البِلَى، وصارت صحاري مجدبة بعد العمران، وفيافي موحشة بعد الأنس، وخرائب منقطعة بعد الحسن، وشعابا مفزعة بعد الأمن، ومأوى للذئاب، ومعازف للغيلان، وملاعب للجان، ومكامن للوحوش، بعد رجال كالليوث، وخرائد كالدمى، تفيض لديهم النعم الفاشية -تبدد شملهم، فصاروا في البلاد أيادي سبا، فَكأن تلك المحاريب المنمقة والمقاصير المزينة التي كانت تشرق إشراق الشمس، ويجلو الهموم حسن منظرها، حين شملها الخراب، وعمها الهدم، كأفواه السباع فاغرة، تؤذن بفناء الدنيا، وتريك عواقب أهلها، وتخبرك عما يصير إليه كل من تراه قائما فيها، وتزهد في طلبها بعد أن طالما زهدت في تركها، وتذكرت أيامي بها ولذاتي وشهور صباي لديها، مع كواعب إلى مثلهن صبا الحليم، ومثلت لنفسي كونهن تحت الثرى، وفي الآفاق النائية، والنواحي البعيدة، وقد فرقتهن يد الجلاء، ومزقتهن أكف النوى، وخيل إلى بصري فناء تلك النصبة بعدما علمته من حسنها، وغضارتها، والمراتب المحكمة التي نشأت فيما لديها، وخلاء تلك الأفنية بعد تضايقها بأهلها، وأوهمت سمعي صوت الصدى والهام عليها، بعد حركة تلك الجماعات التي ربيت بينهم فيها، وكان ليلها تبعا لنهارها في انتشار

الصفحة 28