كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 1)
فعصوا كلَّ هذا وخَالَفُوا، وكلفوا المُحْرم يَمْرَضُ أو يَوْحَلُ (¬١)، أو يَعُوقُه عائقٌ، ما ليس في وسعه، وأعظمُ الحرج والعُسْر الشاقِّ من أن يبقى محرمًا حتى يطوف بالبيت، ولعله لا يقدر على ذلك سنين، ثم خالفوا ما احتجوا به حقًا، فأجازوا به شروط الشيطان التي ليست في كتاب الله تعالى حقا، من أن يشترط لامرأته إن تزوج فكل امرأة (¬٢) يتزوجها طالق (¬٣)، وَإِنْ تسرى فكل مملوكة يشتريها حرة، وهذه عظائم مهلكة (¬٤).
واحتجوا في قولهم الخبيث: إن المُحرم إن قتل خنزيرًا بريا، فعليه
---------------
(¬١) أَوْحَلَ فلانا شرا: أثقله به، وفيه معنى المنع وانظر القاموس (ص ١٣٧٩) مادة وحل.
(¬٢) في النسخة التونسية كتب فوقها: "زوجة". ورجحت ما أثبته، والله أعلم.
(¬٣) انظر مذهب الحنفية في هذه المسألة في: تبيين الحقائق (ج ٢/ ص ٢٤١) واللباب في شرح الكتاب (ج ٣/ ص ٤٦)، والمحلى (ج ١٠/ ص ٢٠٥).
(¬٤) ناقش المؤلف في المحلى (ج ٧/ ص ١١٥) الحنفية في بطلان الاشتراط في الحج، وقال: "وشغبوا في مخالفة السنن الواردة في هذا الباب بأن قالوا: هذا الخبر. يعني خبر الاشتراط في الحج. خلاف للقرآن، لأن الله تعالى يقول: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ... بل قولهم هو المخالف للقرآن حقا، لأن الله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، ولا حرج ولا عسر، ولا تكليف ما ليس في الوسع، أكثر من إيجاب البقاء على حال الإحرام ومنع الثياب، والطيب والنساء لمن قد منعه الله تعالى من الحج والعمرة. فلو لم يكن إلا هذه الآيات لكفت في وجوب إحلال من عاقه عائق عن إتمام الحج والعمرة، فكيف والسنة قد جاءت بذلك نصا؟ ! ". ثم ساق كلاما طويلا من هذا الضرب، وفيه تشنيع، وحط عظيم على الحنفية، وفي بعض ما نقلناه شَبَهٌ بما قاله المؤلف هنا.