كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 1)

فتأملوا -هداكم الله- هل في كلامه عليه السلام المذكور شيءٌ من الهذيان الذي أَتَوْا به؛ أو أثرٌ للتقسيم السخيف الذي دانوا به؟ ! وقد بين عليه السلام ما خصه الله تعالى به من إحلال مكة له ساعةً من نهار فقط؛ وأنه إنما هو في القتال فيها فقط، ليس ههنا لدخولها بإحرام، أو بغير إحرام ذكرٌ ولا أثرٌ.
ولو كان تحريمُ الله تعالى إيَّاها يوجبُ أن لا يدخل إلا بإحرام لوجب بذلك ولا بد؛ أن لا يحل فيها أحد أبدا، ولا ساعةً من الدهر.
وأي فَرْقٍ بين دخولها مُحِلًّا - وهو لا يريد حجا ولا عمرة لكن لحاجته؛ وبين إحلاله فيها دَهْرَه كُلَّهُ؟ !
وَلَوْلَا النَّصُّ الواردُ في أن لا يدخلها يريد الحج والعمرة إلا مُحرما (¬١)
---------------
= وأخرجه من هذا الطريق أيضا النسائي في الكبرى في الحج باب تحريم القتال فيه برقم ٣٨٥٩، وبه أيضا أخرجه الترمذي في الحج، باب ما جاء في حرمة مكة برقم ٨٠٦ ولفظه عند البخاري: "إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دَمًا. ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا له: إن الله أذن لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار؛ وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب".
(¬١) وذلك فيما بَيَّنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مواقيت لأهل كل بلد، وفيه أحاديث: منها: ما أخرجه البخاري في جزاء الصيد، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام برقم (١٨٤٥) عن ابن عباس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يَلَمْلَم؛ هن لَهُنَّ ولكل آت أتى عليهن من غيرهم، ممَّن أراد الحج والعمرة فَمَنْ كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة".

الصفحة 401