كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 2)
من نومه يغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في وضوئه (¬١)، فقالوا، ولم يقل بالماء (¬٢).
قال أبو محمد: فاعجبوا لهذه الفضائح، يحتجون بآثار لم تَأْتِ إلا في إزالة ما أمر بإزالته من الجسد؛ أو بما أمر به في الجسد لقولهم الفاسد: إن النجاسة تزال من الثياب بغير الماء؛ ولا تزال من الجسد إلا بالماء، نعم، وفي الخبر الذي مَوَّهُوا به من المذي: "يا رسول الله، فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ فقال عليه السلام: "خذ كفا من ماء، فانضح حيث ترى أنه أصابه" (¬٣)؛ فعكسوا الأمر عكسا، فعل من لا دين لَهُ ولا حياء.
---------------
(¬١) مرَّ تخريج هذا الحديث.
(¬٢) قال أبو حنيفة وأبو يوسف: يطهر البدن والثوب بكل مائع يزيل الخاسة كالخل وماء الورد، وقال محمد وزفر: لا يجوز إلا بالماء، لأنه يتنجس بأول الملاقاة، والمتنجس لا يفيد الطهارة إلَّا أنَّ هذا القياس تُرك في الماء للنَّص، ولا يصح إلحاقُه بالماء لعدم الضَّرورة، وفي الماء ضرورة فبقي ما وراءه على الأصل، وعن أبي يوسف في رواية: أنه لم يجوز تطهير البدن إلا بالماء، لأنها نجاسة يجب إزالتها عن البدن ولا تزول بغير الماء كالحدث، وانظر: تبيين الحقائق (١/ ٦٩) والهداية (١/ ١٨ - ١٩) وتحفة الفقهاء (٢/ ٧٠).
(¬٣) أخرجه أبو داود في الطهارة، باب في المذي برقم (٢١٠) والترمذي في الطهارة، باب ما جاء في المذي برقم (١١٥)، وابن ماجه في الطهارة، باب الوضوء من المذي برقم (٥٠٦)، ثلاثتهم من حديث سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر من الاغتسال، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: "إنما يجزيك من ذلك الوضوء" قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: "يكفيك بأن تأخذ كفا من ماء فتنضح بها من ثوبك، حيث ترى أنه أصابه". هذا لفظ أبي داود. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".