كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 2)

كفيلا فقال: كفى بالله كفيلا، فَأقْرَضَهُ إلى أجل، فلما كان الأجل لم يجد سفينة فأخذ خشبة ونقرها، وجعل فيها ألف دينار، وأرسلها في البحر، فقضى الله عز وجل خروج تلك الخشبة إلى يد صاحب الحق فأخذها، فلما شقها وجد فيها ماله؛ وكتابا من غريمه إليه (¬١)، وهم أول مخالف على من يفعل هذا، وأول من يقضي عليه بالخطأ؛ وَإِضَاعَة المال، فإن قيل: فأنتم لا تقولون بغير السنن، وهذا خبر صحيح، فكيف تعملون فيه؟ قلنا: إنما كان فيمن قبلنا، ولا يجوز لنا العمل بشيء من شرائعهم، قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (¬٢)؛ فإنما يلزمنا ما أمرنا به محمد رسول الله فقط (¬٣)؛ ولم يأمرنا عليه السلام قط بهذا العمل بل نهانا عن إضاعة
---------------
= (٦/ ٩) واللباب في شرح الكتاب (٢/ ١٥٨ - ١٥٩).
(¬١) أخرجه البخاري في الزكاة، باب ما يستخرج من البحر برقم (١٤٩٨) وأحمد في المسند (٢/ ٣٤٨) عن أبي هريرة.
(¬٢) سورة المائدة، الآية ٤٨.
(¬٣) في مسألة "شرع من قبلنا" ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: شرع من قبلنا شرع لنا، وقال بذلك الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وجمع من أصحاب الشافعي، وجمهور المالكية، وأكثر الحنفية ومنهم الشيخ أبو منصور الماتريدي، والقاضي أبو زيد الدبوسي، وشمس الدين السرخسي، وفخر الإسلام البزدوي، ومن المتأخرين: ابن الهمام وابن الحاجب، واختلف هؤلاء على القول به، فقيل: مطلقا ما لم ينسخ، وقيل: شرع لنا إن لم ينسخ، وثبت بالقرآن، أو ببيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لا بنقل أهل الكتاب، لأن التحريف والتبديل تطرق إلى الكتب السماوية القديمة.
المذهب الثاني: شرع من قبلنا ليس شرعا لنا: وهذا رأي جمهور الشافعية والمتكلمين، ثم إن هؤلاء اختلفوا في موجب المنع: فقالت المعتزلة منع من ذلك العقل، وقال =

الصفحة 531