كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 2)
واحتجوا بخبر صحيح أيضا عن رسول الله إذ سئل عن ضوال الإبل، فأمر بتركها، وقال: "ضالة المسلم حَرَقُ النار" (¬١)، وخالفوه فيما فيه، فأمروا بأخذ الإبل الضوال، وفيها جاء اللفظ المذكور (¬٢).
واحتجوا في إبطالهم طلاق النائم بالخبر الصحيح عن رسول الله:
---------------
= يلتقطه فقال عرفها سنة، ثم أعرف عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك بها، وإلا فاستبقها، قال: يا رسول الله، فَضَالَّةُ الغنم؟ قال: لك ولأخيك أو للذئب قال: ضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر" أخرجه البخاري في اللقطة، باب ضالة الإبل برقم (٢٤٢٧)، وابن ماجه في اللقطة، باب ضالة الإبل والبقر والغنم برقم (٢٥٠٤).
وقال الأحناف على من التقط لقطة أن يعرفها سنة، فإن جاءه صاحبها، فليردها عليه، وإن لم يأت يتصدق بها إيصالا للحق إلى المستحق، واستدلوا بحديث: "لا تحل اللقطة، فمن التقط شيئا، فليعرفه سنة، فإن جاءه صاحبها، فليردها عليه، وإن لم يأت فليتصدق". قال الكاساني: "والاستدلال به من وجهين: أنه نفى الحل مطلقا وحالة الفقر غير مرادة بالإجماع فتعين حالة الغنى، والثاني: أنه أمر بالتصدق، ومصرف الصدقة الفقير دون الغني". وقد أجاب المؤلف عن هذا الدليل وانظر: الهداية (٢/ ٤٧٠ - ٤٧١) وتبيين الحقائق (٣/ ٣٠٥) والمحلى (٨/ ٢٦٠ - ٢٦١) وبدائع الصنائع (٦/ ٢٠٢).
(¬١) أخرجه ابن ماجه في اللقطة، باب ضالة الإبل والبقر والغنم برقم (٢٥٠٢)، والبيهقي في الكبرى في اللقطة، باب ما يجوز له أخذه وما لا يجوز مما يجده برقم (١٢٠٧٤) كلاهما عن الحسن عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكره - وحرق محركة: لهب النار - انظر النهاية (١/ ٣٦٥)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم (٣٧٧٨ - ٤/ ٣).
(¬٢) انظر مذهب الحنفية في هذه المسألة في: تبيين الحقائق (٣/ ٣٠٥) وشرح معاني الآثار (٤/ ١٣٣) وقال المؤلف في المحلى (٨/ ٢٦١) بعد أن حكى خلاف الحنفية وغيرهم: "وهم أول مخالف فأمروا بأخذ ضوال الإبل ... ".