كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 2)
وصححوه، ثم خالفوه فألزموه الطلاق والعتاق والرجعة، والنذر واليمين، فإن قيل: فبأي شيء لم تسقطوا أنتم عليه حد الزنا والقتل، وإفساد المال؟ قلنا: لأن الزنا والقتل، وإتلاف الأعضاء لا مدخل للإكراه فيها أصلا، وفاعلها مختار قاصد إلى فعلها، وإنما يسقط عن المكره ما تبيحه له الضرورة من حكاية قول أُمِرَ بقوله، والحاكي لا شيء عليه، أو ما تبيحه له الضرورة من الأكل والشرب والإكراه ضرورة فقط.
واحتجوا لقولهم الفاسد في أنه لا ينفذ حكم المريض الذي يموت من مرضه إلا في الثلث (¬١)، بالخبر الصحيح عن عمران بن حصين (¬٢)، في الذي أعتق ستة أعبد له عند موته، لا يملك غيرهم (¬٣)، وليس في هذا الخبر من ذلك شيء أصلا، بل قد صح أنه كان وصية بعد موته، ثم خالفوا نصه، فلم يجيزوا القرعة في ذلك؛ ولا أرقوا من
---------------
= لأحمد: إن الوليد بن مسلم روى عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثله، فَأَنْكَرَهُ أيضا، ... وقيل لأبي حاتم إن الوليد روى أيضا عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، فقال أبو حاتم: "هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة". وقال: "لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث عن عطاء، وإنما سمعه من رجل لم يسمه توهم أنه عبد الله بن عامر أو إسماعيل بن مسلم". قال: "ولا يصح هذا الحديث، ولا يثبت إسناده ... ".
(¬١) انظر: شرح معاني الآثار (٤/ ٣٧٩ - ٣٨٠) ورد المحتار (٥/ ٤٣٥) والمحلى (٩/ ٣٤٨ - ٣٥٠).
(¬٢) تقدمت ترجمته ص (٤٦٩).
(¬٣) مضى تخريج هذا الخبر.