كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 3)

جاء عن التابعين فهم رجال، ونحن رجال" (¬١).
قال أبو محمد رحمه الله تعالى (¬٢):
فتالله إن أبا حنيفة لمعذور في كثير من خطأ أقواله، لضيق باعه في رواية (¬٣) الآثار، وقصر ذِراعِهِ في المعرفة بالسنن والأخبار (¬٤)، إنما الشأن فيمن تبحر منهم في الروايات للآثار كالحربي (¬٥)، وبكار بن
---------------
(¬١) هذه القول في الانتقاء لابن عبد البر (ع ١٤٤) والخيرات الحسان (ص ١٠٥) ببعض اختلاف.
(¬٢) سقط لفظ الترحم من (ت).
(¬٣) في النسختين معا: "روايات"، ولعل الصواب ما أثبته.
(¬٤) لعل المؤلف يشير إلى ما روي عن بعض الأئمة من أن أبا حنيفة كان "مسكينا في الحديث". أو أنه: "لا حديث ولا رأي"؛ أوْ أن "روايته بلغت سبعة عشر حديثا أو نحوها".
والجواب عن هذا يكون من وجوه:
أولا: كيف تقل رواية من كان في الفقه إماما، وفي الاستنباط علما حتى قال الشافعي: "الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة".
ثانيا: قد ثبت أن أبا حنيفة حمل العلم عن أربعة آلاف شيخ، فكيف لم يتهيأ له الحمل الكثير عنهم من الحديث والآثار؟
ثالثا: قد علم من حال أبي حنيفة أنه كان متعنتا في الرواية، مشددا في الاسترسال فيها، حتى إنه روى أكثر المرفوعات بطريق الفتوى.
رابعا: ما زال العلماء يجمعون لأبي حنيفة مسانيد تروى عنه، تشهد بطول باعه في الرواية، وتبحره فيها؛ وبلغ ما جمعه منها الخوارزمي خمسة عشر مسندا.
وانظر: الجرح والتعديل (٨/ ٤٥٠) وسير أعلام النبلاء (٦/ ٤٠٣) ومقدمة ابن خلدون (ص ٤٤) والخيران الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان (ص ٦٨) ومناقب أبي حنيفة للموفق المكي (ص ١٦٧).
(¬٥) الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي البغدادي عن أبي =

الصفحة 956