كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 1)
¬الله عز وجل بالعمل للآخرة" (¬١).
ولقد كان إخلاص ابن حزم سببا في الصفة التي اشتهر بها وهي الصراحة في الحق، والصَّدعُ بالرأي وإن خالفه الناس، فما هو إلا أن يظهر له دليل المسألة، والحجة فيها حتى يتشبث بذلك، ولا يدعه رضي من رضي وسخط من سخط. ولقد كان ثبات ابن حزم على الحق، سببا في أن يصفه معاصروه بالجهل بسياسة العلم، قال ابن حيان: "وأكثر معايبه زعموا عند المُنْصِف له جهله بسياسة العلم التي هي أغوص من إيعابه ... " (¬٢). وإذا كان الحق يُغضب بعضَ الناس، فليس على من ندب نفسه لبيانه، والدفاع عنه، حرج في أن يدع سياسة العلم.
وَسَاءَ النَّاسَ مِن ابن حزم مع ذلك حِدَّةٌ في الطَّبع، وعنف في العبارة، ووقيعة في الأئمة الكبار، وعدم تلطف في الإعتراض، وفي ذلك يقول ابن حيان: " ... وكان يحمل علمه هذا ويجادل مَنْ خالفه فيه على استرسال في طباعه، وبذل بأسراره، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده "ليبيننه للناس، ولا يكتمونه"، فلم يك يُلَطف صدعه بما عنده بتعريض، ولا يزفه بتدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل، ويُنْشْقُهُ مُتَلَقِّيه إنْشَاقَ الخردل ... " (¬٣) واشتهر قول أبي العباس
---------------
(¬١) انظر: مداواة النفوص ضمن رسائل ابن حزم (ج ١/ ص ٣٣٧).
(¬٢) انظر: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (ق ١/ ج ١/ ص ١٦٨).
(¬٣) انظر: الذخيرة في محاسن أهل الجريرة (ق ١/ ج ١/ ص ١٦٧).
الصفحة 97
1362