كتاب الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (اسم الجزء: 1)

¬ولقد نفع اللهُ ابن حزم بهذه الحدة، فتوقَّد بها طبعه، وتنبه لها ذهنه، وجاد بها فكره، فكثرت لذلك تآليفه يقول في هذا المعنى: "وقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة وهي أنه قد توقَّد طبعي، واحتدم خاطري، وحمي فكري، وتهيج نشاطي، دكان ذلك سببا إلى تواليف عظيمة النفع، ولولا استثارتهم ساكني، واقتداحهم كامني، ما انبعثت لتلك التواليف" (¬١).
ومن أجل هذه الحِدَّة التي جرت على لسان ابن حزم وقلمه، نفر منه الناس، وزهدوا في كتبه، وأعرضوا عن مجالسته (¬٢)، ولقد قارن السخاويُّ بين ابن حزم وبين ابن تيمية في هذا فقال: "وكذا ممن حصل من بعض الناس منهم نفرة، وتحامى عن الإنتفاع بعلمهم مع
---------------
(¬١) انظر: مداواة النفوس ضمن رسائل ابن حزم (ج ١/ ص ٣٦٧)، وكأن ابن حزم هنا يخصص قوله الذي سبق على هذا القول: "إذا نصحت ففي الخلاء، وبكلام لين، ولا تسند سب من تحدثه إلى غيرك، فتكون نماما، فإن خشنت كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير، وقد قال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنفر"، إن نصحت بشرط القبول منك، فأنت ظالم ولعلك مخطئ في وجه نصحك، فتكون مطالبا بقبول خطئك وبترك الصواب". وقول ابن حزم هنا: بمحك أهل الجهل معناه: المنازعة في الكلام.
(¬٢) انظر: وفيات الأعيان (ج ٣/ ص ٣٥٢): ويذكر الأستاذ محمد المنتصر الكتاني سببا آخر في حدة ابن حزم عندما يقول: "وابن حزم مواطن أندلسي، والإنسان ابن بيئته بالطبع كما يقول ابن خلدون، فالأندلسيون كالمغاربة اعترفوا من قديم بأن في طباعهم حدة، وفي خلقهم شكاسة، فإذا أرادوا أن يصفوا لطيفا من بينهم، وَادِعُ النفس سمحها، قالوا: "هو على رقة أهل الأندلس". وانظر تقديم معجم فقه ابن حزم الظاهري (ج ١/ ص ٤٦ م و ٤٧ م).

الصفحة 99