الفصل الثالث: في حكم قتال أهل البغي
قال الله -عز وجل-: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] .
خرَّج مسلم (¬1) ، عن أنس بن مالك قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أتيت عبد الله بن
أُبَيّ؟ قال: فانطلق (¬2) إليه، وركب حماراً، وانطلق المسلمون، وهي أرض سَبِخَةٌ (¬3) ، فلما أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إليك عَنّي، فوالله لقد آذاني نتن حمارك. قال: فقال رجل من الأنصار: والله! لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطيب ريحاً منك. قال: فغضب لعبد الله رجل من قومه، فغضب لكل واحد منهما أصحابُه. قال: فكان بينهم ضرب بالجريد وبالأيدي وبالنِّعال، فبلغنا أنها أنزلت فيهم: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] .
قال ابن المنذر (¬4) : فأمر الله سبحانه النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، إذا اقتتل طائفتان من المؤمنين: أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصفَ بعضهم من بعض، فمن أبى منهم فهو باغٍ، وحقٌّ على الإمام والمؤمنين أن يجاهدوهم؛ حتى يفيئوا إلى أمر الله.
وخرَّج مسلم (¬5) عن أبي هريرة قال: لمَّا توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستُخْلِف
¬_________
(¬1) في «صحيحه» في كتاب الجهاد والسير (باب في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصبره على أذى المنافقين) (1799) (117) . وأخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الصلح (باب ما جاء في الإصلاح بين الناس) (رقم 2691) .
(¬2) في منسوخ أبي خبزة: «انطلق» .
(¬3) السَّبِخة: بفتح السين المهملة، وكسر الباء الموحدة بعدها، أي: ذات سباخ، وهي الأرض التي لا تنبت. انظر: «فتح الباري» (298) .
(¬4) في «الإشراف» (2/385) نحوه.
(¬5) في «صحيحه» في كتاب الإيمان (باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله..) (32) (20) . وأخرجه البخاري (1399، 1456، 1457، 6924، 6925، 7284، 7285) .