التي وجبت عليهم؛ لأنه لم يكن منهم فيما فعَلوا قول ولا عمل يخرجهم عن الإسلام، ولا يوجب استحلال أموالهم ولا أحوالهم (¬1) إلا بحقِّها، قال الله -تعالى-: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] .
وخرَّج مسلم (¬2) ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « ... كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه» .
وأما ما اختلف أهل العلم في أهل البغي الذين يخرجون متأولين: كالخوارج وأضرابهم؛ ممَّن عرضت لهم شبهة في النظر، فاعْتَقَدَ (¬3) تكفيرَ من خالف مذهبهم، واستباحوا بذلك الدماء والأموال والفروج بالسِّباء في المسلمين؛ فقالت طائفة: ما أصاب هؤلاء أو أصيب منهم، من دم وجراحة فهو هَدْرٌ، رُوي ذلك عن سعيد بن المسيب (¬4) ، وقال ابن القاسم:
بلغني عن مالك أنه قال: الدماء موضوعة عنهم، وأما الأموال: فرأيي إن وَجدوا شيئاً بعينه أخذوه، قال: ولم يُتبعوا بشيء، يعني: مما استهلكوه؛ لأنهم إنما استهلكوها على التأويل (¬5) .
¬_________
(¬1) غير واضحة في الأصل والمثبت من المنسوخ.
(¬2) في «صحيحه» في كتاب البر والصلة والآداب (باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودَمه وعرضه وماله) (2564) (32) .
(¬3) كذا في الأصل والمنسوخ، والأصوب أن تكتب: «فاعتقدوا» .
(¬4) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (10/122 رقم 18587) عن سعيد بن المسيب قال: إذا التقت الفئتان، فما كان بينهما من دمٍ أو جراحة فهو هَدْرٌ، ألا تسمع إلى قول الله -عز وجل-: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فتلا الآية حتى فرغ منها، قال: فكلُّ واحدة من الطائفتين ترى الأخرى باغية.
قال ابن حزم في «المحلّى» (11/106) في قول سعيد: ليس بشيء؛ لأن الله -تعالى- لم يكلنا إلى رأي الطائفتين، لكن أمرَ من صحَّ عنه بغيُ إحداهما بقتال الباغية، ولو كان ما قاله سعيد -رحمه الله-؛ لما كانت إحداهما أولى بالمقاتلة من الأخرى، ولبطلت الآية، وهذا لا يجوز.
وانظر: «الإشراف» لابن المنذر (2/390-391) .
(¬5) انظر: «المدونة» (1/407- ط. المطبعة الخيرية) .