كتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه

مسعود لتلامذته: "عليكم بالأمر العتيق"1، ويقول أيضاً: "اتبعوا ولا تبتدعوا، وقد كفيتم"2، والذي نعتقده وندين الله به - وهو المعقول أيضاً- أن كل ما صح الاستدلال به على الأحكام من النصوص الصريحة، والأحاديث الصحيحة، يصح الاستدلال بمثله في العقيدة في إثبات صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله، وما يتعلق بأفعال العباد، بل على كل ما يجب الإيمان به في الدين، ومن يفرق بين هذه الأبواب في أدلتها فيطالب بالدليل ولا دليل، فإذاً يصح الاستدلال بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة كما صح في الأحكام، وهذا هو المطلوب.
وأما دعوى المعارض (علماء الكلام) أنها أدلة لفظية عرضة للنسخ والتخصيص والتقييد، فلا يتم الاستدلال بها في هذا الباب، فهي ثرثرة نحفظها لعلماء الكلام الذين شغلهم الكلام عن العلم، فلا ينبغي أن يلقى لها بال، لأن جانب العقيدة لا يمكن أن يقع فيه نسخ وتغيير، وهذا التصرف لا يعرف قبل العصر العباسي، ولا يكاد يدور في رأس أحد من المسلمين قبل ذلك، إذ ليس من الدين ولا من مقتضى العقل الصريح، والفطرة السليمة ألاّ يستدل في المطالب الإلهية بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ليستدل عليها بقول العلاّف، والنظاّم، وابن أبي دُؤاد وأمثالهم، وما ذلك إلا لتزهيد الناس في نصوص الكتاب والسنة، بينما الواجب الذي يقتضيه الإيمان دعوة الناس إلى الاعتصام بهما فقط دون التفات إلى غيرهما، ولا سيما في باب العقيدة وهو باب يجب ألا يتجاوز فيه الكتاب والسنة، كما قال الإمام أحمد رحمه الله في أثناء المناقشة أيام المحنة.
__________
1 السنة لمحمد بن نصر المروزي ص: 23، مطابع دار الفكر بدمشق، وانظر أيضاً: سنن الدارمي 1/54، والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/7.
2 أخرجه وكيع في الزهد رقم 315، وأحمد في الزهد ص: 162، والدارمي 1/69، ومحمد بن وضاح القرطبي في البدع ص: 10، وأبو خيثمة في العلم ص: 122.
قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الألباني: إسناده صحيح.

الصفحة 34