كتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه

فإني لم أقله"، وكل من له نظر في هذا العلم الشريف يدرك أن هذا الكلام ليس من منطق الرسول عليه الصلاة والسلام، إذ لا يظهر عليه نور النبوة كما ترى، وعلى الرغم من ذلك فإن القوم قد طاروا به فرحاً، ظناً منهم أنه نافع لهم، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينفلتوا بحديثهم هذا من أيدي حراس السنة الذين لم تنم عيونهم الساهرة حفاظاً على السنة بل عثروا على حديثهم ذلك، فأعلنوا عنه أنه من أباطيلهم ودسائسهم، حتى عرفه الناس على حقيقته بعد أن سجلوه في كتبهم، فأجروا له عمليتهم الخاصة، وفندوه وجرحوه وعرّوه أمام القراء حتى انكشف حاله، فلله الحمد والمنة.
يقول السيوطي في رسالته الطليقة (مفتاح الجنة) 1: "قال البيهقي: باب بطلان ما يحتج به بعض من رد السنة من الأخبار التي رواها بعض الضعفاء في عرض السنة على القرآن، قال الشافعي رحمه الله: احتج عليّ بعض من رد الأخبار بما روى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما جاءكم عني فاعرضوه على الكتاب، فما وافقه فأنا قلته، وما خالفه فأنا لم أقله "2، فقلت له: ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغير أو كبير، وإنما هي رواية منقطعة عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل مثل هذه الرواية. اهـ كلام الشافعي.
قال البيهقي: أشار الإمام الشافعي إلى ما رواه خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود، فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى عليه السلام، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب الناس فقال: " بأن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم يخالف القرآن فليس عني ".
قال البيهقي: خالد مجهول، وأبو جعفر ليس صحابياً،
__________
1 ص: 214 وما بعده.
2 قال ابن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا الحديث، وانظر كلام أهل العلم حول الحديث في إرشاد الفحول ص: 33.

الصفحة 50