كتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه

الفلاسفة، أو عقول تلامذتهم المتأثرين بهم. ولو وصفوها أنها أدلة عقلية قطعية وبراهين يقينية، وهي في حقيقتها بضاعة غير "إسلامية" وهم يعلمون من أين جاءت، ومتى جاءت، ومن جاء بها، كما أشرنا آنفاً، ثم إنهم نصبوا العداء بينها وبين الوحي، فقد أغنى الله المؤمنين بكتابه المبين وسنة نبيه الأمين عن تكلف المتكلفين، ومن الوقوع في العنت معهم1.
وبالاختصار: إن السلف إنما يقدمون الأدلة النقلية على الأدلة العقلية إيماناً منهم بأن الله أرسل الرسل، وأنزل عليهم الكتب من عنده، وكلفهم ببيان ما يحتاج إلى البيان "لأمر له شأنه" وهو أن ما جاء في هذه الكتب، وبلغته الرسل يغني عن كل شيء. وأما غيره فلا يغني عنه. هذه النقطة هي "سر المسألة" فلا يسع الخلف إلا اتباع السلف على أساس أنهم أعلم وطريقتهم أحكم وأسلم.
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف2
ما أصدق مضمون هذا البيت علماً أن قائله خلفي، وكأنّ الناظم يشير بهذا البيت إلى الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام: " كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ".
وأما ما يسوقه بعض علماء الكلام من مصطلحاتهم الكلامية، فيطلق عليها أنها أدلة قاطعة، فلا ينبغي أن تسلم هذه الدعوى، ولا سيما إذا عارضوا بها آيات قرآنية أو سنة نبوية صحيحة، -وهو الغالب عليه- للأسباب الآتية:
السبب الأول: أن كبار أئمتهم قد أدركوا خطورة هذا الموقف على "إيمانهم" فرجعوا في آخر حياتهم عن هذا المسلك إلى منهج السلف الذي
__________
1 راجع صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام للسيوطي 1/223، تحقيق د. سامي النشار وسعاد علي عبد الرزاق، مجمع البحوث الإسلامية.
2 صاحب جوهرة التوحيد.

الصفحة 59