كتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه

نحن بصدد بيانه وفي مقدمتهم الإمام أبو الحسن الأشعري الذي عاش أربعين عاماً في الاعتزال، وهو إمامهم ثم تاب الله عليه فتاب. وسوف يأتي مزيد بيان لهذه النقطة إن شاء الله عند الترجمة لبعضهم.
السبب الثاني: لا يجوز شرعاً، ولا يستساغ عقلاً أن يعارض كلام الخالق العليم بالمصطلحات التي وضعها المخلوق الجاهل الضعيف. وخاصة إذا تصورنا أن واضعي هذه المصطلحات من غير المسلمين في الغالب الكثير، كما أشرنا آنفاً.
السبب الثالث: أن موافقتهم فيما ذهبوا إليه تؤدي إلى الاستخفاف بأدلة الكتاب والسنة وأنها لا قيمة لها، حيث لا يستدل بها على وجه الاستقلال، وإنما تعرض عرضاً شكلياً -كما هو الواقع، وللأسف لدى كثير من الكلاميين على الرغم من إيمانهم في الظاهر.
فلا بد من العمل بهذه النصوص بالاستدلال بها ليصدق الإيمان بها، هذا ما يعنيه الإيمان بالكتاب والسنة.
ومما يوضح ما ذهبنا إليه من أن القاعدة الأساسية عند السلف في باب الأسماء والصفات "تقديم النقل على العقل" موقف عبد العزيز المكي في حواره مع بشر المريسي بين يدي المأمون، حيث حرص عبد العزيز على بيان منهج السلف وتحديده قبل الشروع في الحوار ليكون هو الأساس والمرجع عندما يختلف هو وبشر أثناء الحوار، ولما طالبه المأمون أن يوضح أصل ذلك المنهج أبان بإيجاز حيث تلا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} 1.
__________
1 سورة النساء آية: 59.

الصفحة 60