كتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه

ثم بيّن أن هذه طريقة اختارها الله لعباده المؤمنين وأدّبهم بها وعلمهم أنه لا يسعهم عند التنازع في أي شيء إلا الرجوع إلى كتابه وإلى رسوله في حياته عليه الصلاة والسلام، وإلى أخباره وسنته بعد وفاته لحل النزاع. وكل ما خالفهما يجب رفضه وعدم الالتفات إليه. ثم قال: فقد تنازعنا أنا وبشر وبيننا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن الإيمان بالله واليوم الآخر والإيمان بالكتاب نفسه وجوب الرجوع إليهما. مكتفين بهما حكماً لحل نزاعنا. فأقر المأمون هذا المنهج الذي عرضه المكي، وحقيقته: تقديم النقل على العقل، واعتبار النقل مرجعاً أساسياً في باب الأسماء والصفات، بل وفي كل باب.
والذي يدلنا على أن هذا هو منهج السلف ومذهبهم أن الصحابة نقلوا إلينا القرآن وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم. نقل مصدق غير مرتاب في صدق قائله وصدق ما يقوله وينقله، ثم لم يؤولوا ما يتعلق منه بالصفات من الآيات والأحاديث، بل كانوا ينكرون بعنف على من يتتبع الغوامض من نصوص هذا الباب، وربما ضربوه1 لئلا يفتن الناس بالتأويل، فدل ذلك على أن منهجهم هو اتباع النقل فقط مع عدم تأويله2.
فخلاصة قواعدهم:
1- تقديم النقل.
2- عدم التأويل.
3- عدم التفريق بين الكتاب والسنة.
وسوف نفصل ذلك في الصفحات التالية إن شاء الله.
ولقد كان اللاحق منهم يحرص على فهم هذا المنهج من السابق منهم ويأخذ بتفسيره ولا يخالفه، ويأخذ الأوائل قدوة، لأن الوحي كان ينزل بين
__________
1 إشارة إلى ما فعله عمر بن الخطاب حيث ضرب "صبيغاً"، ثم نفاه إلى البصرة وأمر الناس بعدم مجالسته، وصبيغ على وزن أمير وهو ابن عسيل وقصته معروفة.
2 راجع: منهج علماء الحديث والسنة للدكتور مصطفى حلمي ص: 122، ط دار الدعوة الإسكندرية.

الصفحة 61