كتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه

أظهرهم، فكانوا أعلم بتفسيره ممن بعدهم.
ويروي لنا في هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية ما كان يقوله الإمام مالك بن أنس نقلاً عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم جميعاً حيث يقول عمر: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال الطاعة لله، وقوة على دين الله، وليس لأحد من خلق الله تغييرها، ولا النظر في شيء خالفها. من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاّه الله ما تولّى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً"1.
وهو كلام يلقي ضوءاً واضحاً على ما أشرنا إليه آنفاً أن اللاحق منهم يقتدي بالسابق. ثم إنهم كانوا متفقين غير مختلفين في أصول الدين، ولم تظهر فيهم البدع والأهواء، وهم أهل الحديث وحفاظه ورواته وعلماؤه المتبعون للآثار، لا الآراء وذلك سبيل المؤمنين2، واقفين عند قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} 3.
ومن سبيلهم في باب الاعتقاد، الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون ولا ينقصون ولا يفسرونها فيما يخالف ظاهرها الذي يظهر من وضع اللفظ العربي، ولا يشبهونها بصفات المخلوقين، بل يمرونها كما جاءت ويردون علم حقيقتها إلى قائلها، مع اعتقاد أنها على الحقيقة وكثير ما يحيل التابعون ومن بعدهم من سألهم أو أراد أن يفهم ما أشكل عليهم يحيلونهم على علم الصحابة، والأمثلة على ذلك كثيرة في كلام الأئمة من التابعين ومن بعدهم.
ومن هذا السياق يتبين الفرق بين طريقتهم التي تُخضِع العقل للنقل
__________
1 ابن تيمية: الحموية الكبرى ص: 32، تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة.
2 ابن تيمية مجموع الفتاوى 9/279.
3 سورة النساء آية: 115.

الصفحة 62