كتاب الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه

وبين طريقة المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة الذين يقدمون العقل على النقل، ويؤولون نصوص الكتاب والسنة حتى توافق العقل في زعمهم، والنصوص الصحيحة لا تخالف العقل الصريح كما سيأتي.
القاعدة الثانية: رفض التأويل1. ولفظ التأويل قد صار مستعملاً في ثلاثة معان على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية بتعدد الاصطلاحات:
أحدها: وهو اصطلاح كثير من المتأخرين - من المتكلمين- أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل النصوص، وهو الذي يرفضه أتباع السلف الصالح قديماً وحديثاً، لأنه يؤدي إلى القول على الله بغير علم.
النوع الثاني: التأويل الذي هو بمعنى التفسير والبيان، وهو الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن كابن جرير وغيره.
النوع الثالث: التأويل الذي بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كما قال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} 2، وأمثلة هذا النوع كثيرة في القرآن، ولا سيما ما يتعلق بأخبار المعاد3.
فالتأويل في اصطلاح المتكلمين إنما يعني اتخاذ العقل أصلاً حتى يكون النقل تابعاً له، فإذا ما ظهر تعارض بينهما - في زعمهم- فينبغي تأويل النص حتى يوافق العقل.
__________
1 لأن المعنى المؤول إليه ظني بالاتفاق، كما قال الشهرستاني نقلاً عن بعض أئمة السلف، كالإمام مالك وأحمد، فلا يجوز القول في حق الله وفي صفاته بالظن، والتأويل المرفوض هو تأويل علماء الكلام الذي معناه الحقيقي التحريف فالتعطيل، وسيأتي كلامه في صلب الرسالة ص:433.
2 سورة الأعراف آية: 53.
3 راجع: ابن تيمية الحموية الكبرى ص: 33.

الصفحة 63